05‏/12‏/2010

يوميات مدرس (1) كلام عيب






كلام عيب



خلال أيام قليلة تناقلت صفحات الحوادث جرائم تمس الطلاب: ضحايا أو مجرمين أو كليهما

أمس تم ضبط ثلاث طالبات يهتكن عرض زميلتهن في فصل خالي أثناء الفسحة؛

ثلاث طلاب يهتكن عرض زميلهم تحت السلم؛

مدرس يفعل كذا وكذا مع تلميذ أو تلميذة... إلى آخر تلك "الجرائم" المخزية.


مثل تلك الحوادث ليس وليد اليوم والبارحة؛ بالعكس.. إلا أن الجديد أن هناك من خرج وأبلغ عن تلك الحالات وهو مؤشر جيد على اي حال.

في البداية يجب التنويه إلى أن جريمة هتك العرض تعرف بأنها "ملامسة الجسد بغير رضا صاحبه" مهما كان جنس المجرم أو الضحية. بمعنى أن تفتيش مدرسة لطالبة بغير رضاها مثلاً يعتبر هتك عرض رغم أن كلاً منهما أنثى.

أما التحرش فهو بالقول أو الفعل.

*******

مع كل حادثة من تلك الحوادث لا أسارع مثل غيري باتهام المدرس بالانحلال أو الطالبة بأنها ساعدت بسلوكها على ذلك..

اتهامي الأول يكون لأم تناست دورها كمربية ووزعت اهتماماتها إما بين المزاحمة في سوق العمل أو في قائمة اهتمامات كثيرة يحتل أبناؤها آخرها. وتشير أصابع الاتهام أيضاً إلى اب تناسى أنه القيِّم الذي سيسأل عن تربية أبنائه وتعليمهم ما لن يعلمهم غيره.

لا أقصد هنا أن الأب والأم تركوا الحبل على الغارب لأبنائهم فليس هذا مجال العتاب... ولكن تقصيرهما كان في عدم تعويد الأبناء على ثقافة البوح بأن يتعلم أن هناك أموراً محرجة أو مخجلة إلا أنه يجب مشاركة الكبار فيها.


*******

عادت بي الذاكرة إلى سنوات مضت جربت فيها العمل كمدرس ابتدائي في معهد أزهري لغات بالقاهرة.. في البداية تخوفت من التجربة إلا أن نهايتها شهدت دموعي –حرفياً- عندما رأيت مشاعر تلاميذي لمعرفتهم أني سأتركهم.

طلبت من الزميلات أن يناقشن الصغيرات في بعض الأمور التي تمنع معرفتها العديد من الجرائم التي يرتكبها من نزعت منهم صفة البشرية وتحولوا لذئاب. كانت الإجابة أن المديرة تمانع، فقررت القيام بتلك المهمة في فصلي المفضل -3/4 بنات- وكانت النتائج مذهلة:



في البداية طلبت من البنات التفرقة بين عمو –شقيق الأب- وأي عمو.. فليس كل عمو يمكن أن ينال شرف "إدي بوسة لعمو" .. واتفقنا أن البنت الشاطرة متقعدش مع حد غريب لوحدها حتى لو كان أنا –المستر- أو عمو سواق باص المدرسة. وأخيراً أن تكون ماما هي مخزن الأسرار مهما كانت تلك الاسرار محرجة.

وخلال دقائق كانت كل واحدة تحكي قصتها مع موقف تذكرها به تلك الكلمات .. ووجدت أهوالاً في حكايات البنات الصغيرات..

وبانتهاء الحصة ذهبت لمكتب عميدة المعهد و"اعترفت" بما فعلت بل طلبت منها تعميم الفكرة فوافقت مشجعة !!


وفي الصعيد عندما طلبت من طالبات المرحلة الثانوية أن يتعاملن بمبدأ: فلان زي أخويا بس مش أخويا؛ فلا معنى أن يقوم بما يقوم به الأخ من واجبات حتى وإن كان بمباركة الوالدين. واتفقنا على تفعيل عملية تحديد المحارم.

وهنا حكت إحداهن أنها الآن فقط عرفت لماذا كان والدها يمنعها من "الهزار" مع صديقه العزيز عندما يزورهما رغم أنها تعتبره "زي بابا". تمنيت لو كان الأب أتعب نفسه بتوضيح سبب منعه بدلاً من مجرد إصدار الأمر، وأنه "يا بنتي هو زي بابا بس مش بابا، يعني يتعامل معاملة الغريب مهما كان قربه منا"


((بين قوسين:

يزيد من الألم والحسرة والاشمئزاز حوادث شبيهة ولكن المجرم فيها من المحارم: أب، أخ، خال، عم..

وصدقاً ... أعجز عن الكتابة عن مثل تلك الجرائم إلا أنه في كل الأحوال لا مفر من البوح إذا ما تعرض طفل أو طفلة لمثل هذا الأمر))


في كل الأحوال أتساءل إذا لم تقوم الأم بتعريف ابنتها بتلك البديهيات فمن يعلمها؟؟

ما المشكلة أن تخبر الأم ابنتها منذ المرحلة الابتدائية أن جسمها عبارة عن "تابو" taboo أي منطقة محرمة؛ فلا تسمح لكائن من كان لا بنظرة ولا أكثر من ذلك؟

ما المشكلة أن تعلمها كيف توقف مدرساً لم يراعي الله في طالباته وتلفظ بألفاظ غير لائقة أو تصرف تصرفات صبيانية؟


وفي إدارات مدارس البنات العجب العجاب:


فرح الكثيرون –وغضب البعض بطبيعة الحال- لقرار تأنيث مدارس البنات.. ولكن القرار لم ينفذ إلا في المناصب الإدارية لتسهيل جلوس تاء التأنيث على مقعد إدارة مدرسة دون زميلها الرجل. وينفذ أيضاً في استبعاد من لا يروق لإدارة المدرسة بحجة التأنيث. أما ما عدا ذلك فالأقدمية تحكم: أذكر أن المدرسة الثانوية بنين كانت تدرس بها الأحياء مدرسة، بينما يدرس مدرس في مدرسة البنات رغم حساسية المنهج!! ومثلها بعض المواد الشرعية.

إن ما أوصلني إليه فهمي المحدود أن تأنيث مدارس البنات يعني أن يكون من يتولى التعامل مع الطالبات وتدريسهن من الإناث.. وربما أكون مخطئاً فمن يدري!!


ليست عقداً و "كلاكيع" ولا هي تخلف ورجعية.. ولكنها نظرة سريعة لصفحة الحوادث.. وما خفي بالتأكيد أعظم



ما الذي سيضير إدارة مدارس البنات ومعاهدها أن تلفت نظر المدرسين لتجنب مواضع الشبهات:


*** إذا كانت نظريات التربية في الجامعات ترى أن المدرس يجب أن يتحرك في الفصل فإن نظريات التربية التي تلقيناها في بيوتنا ترى أن حركة المدرس في فصل البنات غير لائقة، وتكفيه المساحة الأمامية للفصل أو لجنة الامتحان إلا في أضيق الظروف.


*** وبكل أبوية –أو أمومة..حسب نوع الإدارة- يمكن لإدارة المدرسة أن تلفت نظر المدرس الرجل إلى أن روح الدعابة في فصل البنات لا يجب أن تكون خارجة عن حدودها؛ لا أعني أن يكون المدرس متجهماً أو متقمصاً شخصية ابي الهول ولكن في المقابل لا أريد –ولا أرضى له- أن يكون "....".


ونفس الأمر خارج الفصل حيث لا مجال لوقوف طالبة وأستاذها بمعزل عن الجمع وإن كان هذا لشرح أو سؤال درءاً لأية شبهات.


*** ورأيي أن تتدخل الإدارة بحسم لأية ألفاظ غير لائقة من المدرسين أو حتى الموجهين مثل الحادثة الشهيرة لموجه أعرفه اعتاد مناداة الطالبات بـ "حياتي" و "حبيبتي" و "نور عيني" وسط ابتسامات المرافقين له!!!


*** في أدبياتنا أن نقف للمعلم ونوفه التقدير .. إلا أن عدم وقوف الطالبة "الآنسة" أثناء الإجابة لن يقلل من تقديرها لأستاذها البتة.. بالعكس .. سترى فيه إنساناً يحرص عليها. ونفس الأمر في "حجة البليد" وأقصد مسح السبورة حيث لا يزال هناك من يصر أن تقوم الطالبة -الفتاة- بمسح السبورة في كل مرة أثناء الحصة!! فإن كان في الأمر بد فليكن مسح السبورة بين الحصتين وقبل دخول المدرس ليس إلا.. وبعد ذلك فلتكن مهمته.


وعن الدروس الخصوصية حدث ولا حرج..

حتى الآن لا أعرف طبيعة الأب أو الأم اللذين يحافظان على ابنتهم من الخروج للدروس فيأتون لها بمدرس خصوصي.. وحتى لا يزعجه أهل البيت يغلقون الأبواب التي لا تفتح إلا لتقديم واجب الضيافة!

وإذا خرجت البنت إلى درس مع زميلاتها ما المانع أن تشدد الأم على ابنتها أن تكون حاسمة في رفض التواجد إلا مع زميلاتها بحيث تتفقن أن تذهبن معاً لا فرادى.


أنا هنا –وليتذكر الجميع أنني مدرس قام بالتدريس لكل المراحل من الجنسين في مدارس حكومية وخاصة، عامة وأزهرية- لا أقصد أن كل المدرسين سيئو الأخلاق فتلك النماذج لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.

كما لا أقصد أن "كل" من يقوم بهذا يكون سيء النية، ولكن كما يقولون "طريق جهنم مفروش بحسن النوايا" فلماذا لا نتقي الشبهات، ونعلم بناتنا وأخواتنا اجتنابها؟

أعرف العديدين من المدرسين الذين يقومون بتربية البنات على هذه الأمور البديهية التي لا تغضب إلا من في نفسه أمر ما.

الطريف أن من يعمل من المدرسين على اتقاء مثل تلك الشبهات يقال عنه إنه "معقّد" !! فمرحباً بكون المرء معقداً عن كونه خائناً للأمانة.


ولكن.. عفواً

لا المدرس ولا إدارة المدرسة ملزمين –نظرياً- بالقيام بهذه الأمور .. إذا أضاعت الطالبة حقها فلا تنتظر أن يأتي لها به الغير.

لا أقول أن تتحول الطالبات إلى بلطجيات، أو أن تقيم الدنيا ولا تقعدها لمزحة بريئة من مدرس.


ما أقصده أن تقيم الأم جسراً مفتوحاً مع البنت لتسألها وتحكي لها وتستشيرها .. ومع الأيام ستعرف البنت كيفية التصرف مع كل حالة.. وستتعلم كيف تحكم على كل نظرة أو كلمة ومن ثم تتعامل معها بما يليق.

دائماً في تلك الحوادث يعتمد المجرم على أن الضحية لن تتكلم ولن تحكي لأحد لأنها ستشعر بالخجل والعار. ولكن العار في السكوت إلى أن يحدث ما قد لا تحمد عقباه.


استطردت كثيراً فيما يخص المدرس رغم إنني كان يجب أن أقف في صف المدافعين بالحق والباطل إلا أن الحق أحق أن يتبع، ولأن جناية المدرس أكبر نظراً لثقل الأمانة التي يحملها.


*******



أما بالنسبة لحوادث هتك العرض والتحرش بين الطلاب بعضهم البعض فلا أستغربها أيضاً -على بشاعتها- لأنني شهدت بعضها حتى أن حالة منها كانت بين طالبات في الصف السادس!!!


وأعود لأشير بأصابع الاتهام لنفس المتهم: البيت.. الأم والأب اللذين يعتبران أن الحديث مع الابن في تعريفه بوظائف جسمه "عيب" لا يجب الخوض فيه. فيلجأ الابن ولداً كان أو بنتاً للمعرفة عن طريق الأصدقاء أو الإنترنت وكليهما يقدم معلومات أبعد ما تكون عن الحقيقة... وتكون الكارثة.

ربما لا يدرك طلاب الأزهر مدى الجهل بتلك الأمور نظراً لأن دراستهم تكفل لهم معرفة شرعية رزينة بأمور يراها البعض "عيب". ولكن الدراسة العامة تفتقر إلى هذا مما يخلق فراغاً علمياً وشرعياً كبيراً..


وتبقى نقطة مهمة وهي تبرير الطالبات المتهمات في الحادثة الأخيرة بأن "كنا بنهزر" .. وليكن واضحاً للطفل منذ نعومة أظافره أنه لا هزار في مثل تلك الأمور بأي حال من الأحوال

*******


فيا كل تلميذ وتلميذة:


بكل وضوح وبلا مواراة: جسمك منطقة محرمة محظورة على الجميع.. على أي شخص كائناً من كان.


وفي حالة الطالبة الأكبر:


أمرك ربك وتأمرك فطرتك بصيانة نفسك من نظرات من لا يتقون الله بالاحتشام في الملبس.. والحذر في التعامل ؛ ليست دعوة لإساءة الظن بالجميع لكن قليل من الحذر لا يضر.

ودائماً ضعي في ذهنك أن أحداً لن يجروء على النظر أو التحرش بكلمات أو ما هو أكثر إلا إذا رأى أنك لن تصديه.. فخيبي ظنه ولا تخجلي من إيقافه عند حده كائناً من كان لأنه ساعة يفعل ذلك يكون غاية في الصغر والدناءة مهما علت درجته الوظيفية أو مكانته المزعومة بين الناس. فسكوتك هو أكبر إهانة يمكن أن توجه لك ولكرامتك


حفظ الله أبناءنا جميعاً من كل سوء










.. والعود أحمد

ما أحلى الرجوع إليه.. التدوين يعني

حوالي 6 أشهر أكيد فترة كبيرة اكتفيت فيها بالكتابة للشغل بس

كان فيها مشاغل تعتبر فيها الكتابة هنا ترف ورفاهية بلا حدود

والحمد لله..
عدنا والعود احمد