21‏/06‏/2011

والهوى سوري (2) حكيم عيون حضرتك؟!!


حكيم عيون.. حضرتك؟!!


كم هو جميل تراثنا العربي الذي جعل صفة (حكيم) مرادفاً لمهنة طبيب..

ولكن بعد الخطاب الثالث –والأخير بإذن الله على نهج السابقين- اتضح أن هناك فارق كبير بين حكيم العيون وطبيب العيون الذي يكاد يكون قد فقد بصره بعد أن فقد بصيرته.


• حكيم العيون الذي أدى قسم أبقراط مهمته الأولى أن يعالج البصر ويجليه..

أما طبيب العيون الذي أدى قسماً باطلاً من الأساس فضلاً عن حنثه فيه فكأن مهمته أن يعمي العيون عن كل جميل في بلاد هي للجمال عنواناً..

حكيم العيون يبذل قصارى جهده لإزالة أقذاء العين وأرمادها..

وطبيب العيون الذي اعتلى كرسي السلطان اغتصاباً لا يألو جهداً لتفاقم الأرماد والأقذاء في عيون وطن اشتدت أوجاعه لعشرات السنين..
أصاب تلك العين الغالية بثلة من الجراثيم التي توغلت في الجسم الطاهر...
جراثيم على شاكلته لا هم لها إلا امتصاص دم الوطن من خلال شبكات معقدة تجمعها مصالح لا تقل عفناً عن أصحابها.

حكيم العيون يعالج من الاستجماتيزم الذي تختلط فيه الصور وتتداخل..

وطبيبنا تختلط لديه الصور بشكل كبير؛ في البداية اختلطت الصور فصدق أنه بالفعل رئيساً وهو أول من يعلم أنه ربيب دستور ابن سفاح لم يجلب إلا العار كل العار..

ثم اختلطت الصور فصدق أن احداً يردد صادقاً "منحبك" وأسقط هذا الأحد على كل الشعب الصبور

واختلطت الصور أكثر ليصدق أنه قاهر بني صهيون المنتظر ويخرج بعباراته العنترية بينما تحلق الطائرات التي تحمل النجمة السداسية فوق رأسه.

وها هو يعتبر نفسه رئيساً لجراثيم ليعيش بذلك الاستجماتيزم في أسوأ حالاته.

• من أشهر الأمراض التي تقابل حكيم العيون قصر النظر..

طبيبنا لا يحتاج إلى من يخبره بقصر نظره حين تصور أن تعذيب الأطفال وهتك الأعراض وقتل العزل سيكون مجرد حلقة من سلسلة الصمت الرهيب ستمر مرور الكرام..

قصير النظر حين استخف بشعبه مطلقاً ضحكاته البلهاء المستفزة في حين لم تجف يديه بعد من دماء الشهداء الطاهرة الزكية.

وليس قصر نظر أكثر من إطلاقه العنان لأكشاك الدعارة الإعلامية لتقدم ما تنافس به كافة القنوات الكوميدية حتى بات من لا يعرف مجرد اسم سوريا مفنداً ومكذباً لما تبثه تلك الأبواق التي تنكر وجود الشمس في يوم مشمس!!
ولم يفوت على نفسه فرصة المشاركة في وصلات الكوميديا حين استدعى في خطابه أفلام الخيال العلمي لوصف أسلحة الثوار المتقدمة، وكذلك في الرقم الذي أعلنه كتقدير مبدئي للمطلوبين وهو رقم مؤهل للتضاعف..

• يلاحظ الكثيرون أن حكيم العيون يجري جراحات للاستغناء عن النظارة بينما يرتدي هو النظارة! ينصح الغير بما لا يفعله هو نفسه

لم يشذ طبيب العيون الذي أصبح رئيساً عن تلك الملاحظة؛ فهو من جعل الإصلاح مدخلاً لنسيان فضيحة تغيير الدستور، وطالما بشَّر بإصلاحات قادمة لكنها وبعد سنوات عجاف لم تصل بعد ولا حتى مقدماتها..

وهو من يدبج الخطب العصماء التي يجيد حفظها –فيما يبدو أنه مؤهله الوحيد كرئيس عربي- مهاجماً إسرائيل وأمريكا وقوى الغرب ووو.. وفي نفس الوقت يرسل الوسطاء من هنا وهناك للجلوس إلى من تهاجمهم خطبه الببغاوية!!

لطالما هاجم سكوت حكومة مبارك على العدوان الإسرائيلي على غزة مطالباً برد مصري..
فاته أن إسرائيل وفرت عليه حتى أن يذهب إليها فجاءته في عقر داره محتلة الأرض الغالية وكأنها تخرج لسانها قدر استطاعتها بينما تضع سدادات أذن لكي لا تسمع طنطنة الببغاء الذي لا يعي ما يقول..

يتهم ثورة الحرية في بلاده بأنها مؤامرة خارجية لم يستطع بعد ثلاثة أشهر أن يذكر ولو اسم جهة واحدة من أطراف المؤامرة.. وإن كان نجح فيما لم يأت به الأوائل بالجمع
بين من لا يجتمع معاً: الموساد والإخوان والسلفية وأمريكا و.. و...و... ليتفقوا على البلاد والعباد!!

ثوار سوريا الباحثين عن الحرية أطراف في مؤامرة خارجية سرية وفي الوقت ذاته يدنس أذناب إيران وحسن نصر الله شوارع بلاد هي الطهر بذاته.

• طبيبنا رغم كونه متخصص في أمراض العيون إلا أنه أصيب بالعمى..

وليت الأمر اقتصر على ذلك فحسب بل إن الأمر تطور فأصيب بالعمه –عمى البصيرة- وهو ما لا يحتاج إثباته سوى نظرة خاطفة على الوضع الراهن.

عمي بصره فلم ير اللافتة التي تشير أسهمها إلى الجولان، واتجه بزبانيته صوب حوران..

وعميت بصيرته فلم يتعظ من دروس سابقيه اللذين لا يختلفان عنه إجراماً في حق شعبيهما. قال إن سوريا ليست مصر ولا تونس من قبلها!! ولم يدرك بعمى بصيرته أن أحرار وحرائر وأطفالاً يهِبون من سباتهم حاملين أرواحهم على أكفهم فداءً للحرية أبداً لن ينجح الموت نفسه أن يثنيهم عن اللحاق بقطار ربيع الحرية.


05‏/06‏/2011

... والهوى سوري (1)



من ابن النيل لأبناء بردى


إذا بردى أنَّت لخطب مياهه..

تداعت بوادي النيل للنيل أدمع


بيت شعر أحفظه منذ الطفولة، في الوقت الذي ألقى الله في قلبي حباً لبلد لم أعرفه، ولم أقابل أحداً من أهله، بل كانت كل معلوماتي عنه قراءات في مجلات الأطفال.



كانت علاقة حب يفضح الشوق المحبوب مهما حاول مداراة حبه أو مواراته:

يترك ما في يده ليتابع بشغف برنامج عن مدينة هنا أو هناك في هذا البلد.

ولم يعد الأصدقاء والأهل يفاجأون إذا تسربت من كلامه لفظة سورية.




وحين قابل سوريين كان أول تعليق لهم على هذا الشغف ببلادهم: لابد أن في الأمر "سورية" وراء عشقك لسوريا..

خانهم تقديرهم على الأقل في مسألة الترتيب..



لسوريا عندي مكانة خاصة جعلت مني ذلك المتيم الذي لا يترك شاردة ولا واردة عن هذا البلد العريق.


وكما عشقت الوطن عشقت المواطنين بما لهم من سمات جلّت المحنة-المنحة الأخيرة العديد من تلك السمات لتظهر في أبهى صورها بعد أن حاول الطغاة قتل كل جميل في البلاد والعباد.



ما أجمله شعب يقف أعزلاً أمام آلة الموت والدمار بلا سلاح سوى "الله أكبر" تصدح بها القلوب قبل الحناجر..



لا تستطيع الحروف أبداً وصف المشاعر التي أحسست بها عند سماعي تسجيلاً أرسله أهلنا في سوريا لـ "معركة التكبيرات" ..



ولأن الأرواح جنود مجندة أقسم أنني أحسست أنني أقف فوق سطح منزل بتلك المدن الأبية أهتف بأعلى صوت مكبراً رب العزة داعياً أن يرينا آية من آياته فيمن لم يراع فيه إلاً ولا ذمة..



عرفت مدى عشقي لسوريا حين شعرت بذات الغصة التي أحسست بمرارتها لعدم تمكني من التواجد في ميدان التحرير بأتراحه وأفراحه، بدماء الغضب وزغاريد التنحي..



إحساس غريب أن يتمنى المرء بكل حماس أن يتمكن من الإسهام في تحرير أرض ما لا ينتمي إليها بمعايير جوازات السفر تماماً كما تمنى الإسهام في تحرير وطنه.



كيف لا أتمنى أن أكون بين طالبي الحرية من أحفاد العز بن عبد السلام الذي طالما استشهدت بمواقفه التي لا تخشى في الله لومة لائم متحسراً على "علماء" باعوا الدين بالدنيا..



كيف لا أتمنى أن أقف مكبراً فوق أحد البيوت الشامية التي سحرتني عمارتها حتى أنني فكرت مراراً في محاكاتها في بيتي رغم الصعوبات..



تلك البيوت التي تحملت لأجل الاستمتاع بها كمبانٍ ومعانٍ سذاجة بعض المسلسلات التي تدور في الشام القديمة.



كيف لي أن أتقاعس عن الهتاف بأعلى صوتي بلهجة لطالما شنفت أذني من فرط رقتها وفصاحتها في آن واحد. لهجة لا أحتاج معها –مثل بقية اللهجات- إلى مترجم لأنها ببساطة ليست حروفاً مرصوصة وإنما لغة قلوب لا دخل للسان ولا للأذن بها.



وكيف لا وقد أنّ أبناء بردى لخطوب، فلم لا يتداعى لهم أبناء النيل نصرة ولو بالدعاء..



وتمتد علاقة النيل وبردى حتى في الحال الذي وصلا إليه: نضب بردى، وتلوث النيل بالمخلفات من ناحية وبأيدٍ قذرة تعبث بمنابعه من ناحية .. وهكذا حال البلدين .. ولهما الله الذي ندعو أن يطهرهما من كل من دنسهما.








شهيد سوري في المسجد الحرام!!

(كنت شهيداً سورياً لمدة ساعة!!)


لم تغب سوريا عني أثناء أداء العمرة فكما دعوت لبلدي أن يحفظها الله، دعوت لسوريا أن يحقن الله دماء أهلها ويحفظها من كل سوء.


وخلال الرحلة كنت أستوقف بين الحين والحين من أعرف أنه سوري من اللهجة أو الحقيبة التي تحمل اسم شركة السياحة. وكان الحوار لا يستغرق نصف دقيقة: كيف الحال هناك؟ -إن شاء الله خير.. مستبشرين



في المسجد الحرام رن الهاتف.. سيدة سورية من أسرة صديقة .. أول ما جال بخاطري أنها عرفت أنني اؤدي العمرة وتبارك أو تطلب الدعاء بصلاح الحال..



وجدتها منهارة تبكي بحرقة لم أفسر معها الكثير من كلامها.. فهمت أنها عادت لتوها من تشييع شاب من الجيران استشهد بلا ذنب جناه إلا رغبته في تنسم الحرية..



فوجئت بصوت آخر لا أعرفه يحدثني: يا فلان.. أنا أم الشهيد..



اقشعر بدني حتى أنها قالت بعدها كلاماً لم اسمعه لأنني لم أستوعب بعد جلال الموقف بكل أبعاده: أنا في بيت الله الحرام، وأحدث أُم شهيد لا أعرفها عادت من توها من تشييع ابنها الذي خرج منذ ساعات وكله أمل في غد أفضل ربما لم يره لكنه أسهم في وجوده



أفقت من خواطري وطلبت منها إعادة ما قالت.. استحلفتني أن أؤدي عمرة عن ابنها الشهيد سائلة الله أن يتقبله في الشهداء


يالله

يالجلال الموقف.. أؤدي عمرة.. عن من؟ عن شهيد!!!

يالها من مفارقة



لم أكذب خبراً

من فوري شرعت في الإحرام وبدأت العمرة، وخلالها كنت أدعو لمن لا أعرف إلا اسمه. لكنني عرفت فيه الإيمان، والنخوة، والإباء، والعزة ..

وكيف لا فإن هذه الصفات إن لم يتسم بها من خرج حاملاً روحه على كفه أملاً في غد مشرق فمن ذا الذي يتسم بها؟!



دعوت أن يكون دمه لهيباً يفني الطغاة..



دعوت لأهله بالصبر، والمزيد من الثبات، واحتسابه عند من لا يغفل ولا ينام.


دعوت لوطنه بالسلامة وأن يحفظ الله بلاداً لطالما رفعت عالياً كلمة الله..



دعوت أن يذيق الله الطغاة من ذات الكأس، وأن يروا بأعينهم عاقبة ظلمهم بعد أن يذوقوه في الدنيا قبل أن يذيقهم الله إياه في يوم العدل..



دعوت الله أن يجعلهم عبرة لمن يعتبر بعد أن يرينا فيهم آية من آياته تماماً كما رأينا في مصر


وأخيراً دعوت الله أن يحسن ختامنا..

وهل مثل هذا ختام