16‏/04‏/2011

عم نظير





لطالما كرهت تلك الصور الباهتة لشيخ الأزهر –على اختلاف اسمه- يستقبل البابا في العيد، أو للبابا داعياً الشيوخ لإفطار رمضان بالكنيسة..

أراها دوماً صوراً باهتة لا روح فيها .. فكم من مرة كانت مثل تلك الصور تظهر بأحضان وابتسامات تملأ الوجوه بينما الشارع يغلي بفتنة من هنا أو هناك!!

لم تكن العلاقة بين المسلم والمسيحي بالنسبة لي هي تلك الصور بأحضانها..

ليس هناك تعبير عن هذه العلاقة النادرة التي يراد لها السوء من الكثيرين أقوى من الحزن الذي انتاب شارعنا بمسلميه قبل مسيحيه لوفاة (عم نظير)..

شخصية لا تملك إلا أن تحبها وتحترمها لرجل في العقد التاسع أو العاشر من العمر إلا أن الله وهبه من الصحة البدنية والعقلية ما جعلت مسألة السن هامشية بالنسبة له.

ما أجمل الجلوس إليه؛ تستمع بكل شغف لحكمة السنين التي لم تصغها شهادات علمية جوفاء، بل حفرتها خبرات السنين।


برشاقة في الحديث يربط موضوع الحوار بقصص من الماضي موثقة بالأسماء والأحداث.. يحدثك كأنك تعرف من يروي قصصهم.. وسرعان ما تعيش أجواء تلك القصص ليس فقط كأنك تعرفهم بل كأنك تعاصرهم من فرط جمال طريقته في الحكي.

عندما توفي والدي كنت أتلقى العزاء بثبات حسدني عليه الكثيرون خاصة لما يعرفونه من ارتباطي بوالدي رحمه الله.

اختفى هذا الثبات مرات قليلة طوال أيام العزاء وذلك عندما كنت أرى "أحباب" والدي الذين كان يحبهم ويحبونه..

وكان منهم عم نظير الذي ما إن رأيته يقترب من ديوان العائلة حتى تبدل حالي..

خلال ثواني تذكرت جلساته مع والدي، وحكاياتهما التي لا تنتهي.. ثم تعود بي الذاكرة لأيام عمل عم نظير في مجال النخيل، وكيف كان يتبادل وأبي الحديث و"المناكفات" الطريفة بينما يؤدي عمله فوق النخلة، وأبي يرقبه على الأرض.

تذكرت كل هذا وتوجهت للقائه لتلقي العزاء لأجد الدموع تترقرق في عينيه حزناً على صديق قديم.

نفس الأمر تكرر مع الراحل (عم النوبي) جار والدي لعشرات السنين في السوق، والذي زارنا بعد سنوات لدقائق لم يقل فيها شيء من فرط دموعه التي تنهار لذكريات السنين..

وما فعل –ولا يزال- (عم محارب) لا يختلف عنهما، فهو يصر أن يطمئن على سير أمور البيت في غيابي أو وجودي.

فهل يمكن أن نساوي هذه النماذج الجميلة بصور الأحضان للمشايخ والبابوات.. أحضان وقبلات ولكن ما في القلب في القلب!!

أكره عبارة "وحدة وطنية" وأجدها بلا معنى.. فمن قال إن الوطن تفرق ليعاد توحيده؟! ومن قال إن تلك القلوب التي تربت على الخير يعميها التعصب؟!

في بداية المرحلة الجامعية حضرت ندوة للبابا في معرض الكتاب.. كان الجميع يبعث أسئلة.. لم أبعث سؤالاً لكنها ملاحظة مفادها: رجاءً اتركونا شعباً نتعايش معاً ولا تقحموا أنفسكم لا بابوات ولا مشايخ ولا ساسة..دخلت السياسة من أوسع الأبواب في علاقة المسلم والمسيحي في مصر فهرب الود من الشباك..

أعود لـ (أبوجمال) –عم نظير- وقلبه الكبير الذي كان يتسع للجميع إلا أنه لم يحتمل كرمه فأصابه الإجهاد.

كان يحرص على تلبية احتياجات جميع الجيران كبرت أم صغرت وكأنه رب الأسرة للشارع كله..

ليس مشهداً نادراً أن تراه يحمل جوالاً به احتياجات الجيران التي يعرض خدماته التطوعية لإحضارها॥ وتسأل عن المقابل فيرد بابتسامة طيبة رافضاً حتى مجرد تناول كوب ماء।


وفي ليلته الأخيرة قام بجولته الأسبوعية لتفقد احتياجات أبناء الشارع –مسلميه ومسيحييه- منتوياً الذهاب في الصباح المبكر لشراء أفضل المعروض.. لكن القدر لم يمهله، فلما أحس الأهل بتأخره عن هوايته النبيلة الكريمة ذهبوا لإيقاظه.. ولكن كانت الروح قد عادت لبارئها .. ليفارق (عم نظير) دنيانا ولكن أبداً لا يغيب عن ذاكرتنا وقلوبنا رجلاً كان أبلغ من كل الصور الباهتة لكل المشايخ والقساوسة.

13‏/04‏/2011

دموع اللاشماتة



لا أدعى أنني تعرضت لظلم بيّن في عهد مبارك، ولا أزعم –كما فعل الكثيرون- أنني كنت من المطالبين برحيلة الكاشفين لفساد نظامه॥

ولكن ..

عند قراءة أخبار هذا اليوم الحافل وجدت دموعي تنساب.. شيئاً فشيئاً تحولت لبكاء متشنج..


لم تكن –بالطبع- دموع تعاطف مع الرئيس المخلوع المودع للحبس مع أبنائه؛ فحاشا لله أن أتعاطف مع من أهدر دماء زهور مصر قبل أن يهدر ثرواتها وسمعتها وتاريخها..

لكنها تبقى دموع...وبكاء


ليست شماتة. .وكيف أشمت في قضاء الله؟!

وكيف أشمت في وعد الله الذي وعدنا بأنه –تعالت قدرته- لا يغفل.. يمهل .. ولكن أبداً لا يهمل؟

يا الله!!


يا من لا يغفل ولا ينام.. يا من تعز من تشاء وتذل من تشاء

نسيناك ولم تنسنا.. قنطنا من رحمتك، ولم تعاقبنا بل أريتنا من آيات رحمتك بنا

وهل من آية أكبر من قدرتك التي شهد بها من يؤمن بك ومن يكفر بأن ما حدث لم يكن ليحدث إلا بإرادة إلهية وبتوفيق من رب العالمين.

نزلت دموعي وأقسم أنني لم أستطع إكمال قراءة أي خبر من فرط غمامة الدموع.


نزلت دموعي وأنا لم أكن سوى متفرج،

وهنا حاولت تخيل حال من تعرض للظلم، من نهبت أراضيه، من هتكت أعراضه، من تعرض للتعذيب، من ثكلت أبنائها، ومن ذاق الذل وتجرع القهر


كيف حال هؤلاء وهم يسمعون الأنباء المتواترة عن وصول أبناء الرئيس المخلوع مدانين –معه- بالتحريض على قتل أبناء الوطن الذي كان آخر ما يفكرون فيه؟


بم يشعر الآن أكثر من 1000 أسرة غرق أبناؤها في العبارة الشهيرة ولم تكلف الأسرة الحاكمة نفسها بنجرد كلمة تعزية بل ذهبت بكاملها لمبارة كرة قدم؟

وغير هؤلاء الكثيرين على مدار الثلاثين عاماً.. كيف تلقوا الخبر؟


وكيف تلقت الأسرة الحاكمة ذاتها تلك الأخبار هل أدركوا أن هناك من لا ينام؟ وأن دولة الظلم ساعة؟ وأن كل من نالوا منه في عنفوانهم لابد أن دعوة ماضية منه زجت بهم في غياهب السجون؟


وهل أدركنا نحن كل هذا ؟


وهل نفيك حقك يا معز .. يا مذل.. يا من بخسناك حقك ووفيتنا حقوقنا


وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ