05‏/06‏/2011

... والهوى سوري (1)



من ابن النيل لأبناء بردى


إذا بردى أنَّت لخطب مياهه..

تداعت بوادي النيل للنيل أدمع


بيت شعر أحفظه منذ الطفولة، في الوقت الذي ألقى الله في قلبي حباً لبلد لم أعرفه، ولم أقابل أحداً من أهله، بل كانت كل معلوماتي عنه قراءات في مجلات الأطفال.



كانت علاقة حب يفضح الشوق المحبوب مهما حاول مداراة حبه أو مواراته:

يترك ما في يده ليتابع بشغف برنامج عن مدينة هنا أو هناك في هذا البلد.

ولم يعد الأصدقاء والأهل يفاجأون إذا تسربت من كلامه لفظة سورية.




وحين قابل سوريين كان أول تعليق لهم على هذا الشغف ببلادهم: لابد أن في الأمر "سورية" وراء عشقك لسوريا..

خانهم تقديرهم على الأقل في مسألة الترتيب..



لسوريا عندي مكانة خاصة جعلت مني ذلك المتيم الذي لا يترك شاردة ولا واردة عن هذا البلد العريق.


وكما عشقت الوطن عشقت المواطنين بما لهم من سمات جلّت المحنة-المنحة الأخيرة العديد من تلك السمات لتظهر في أبهى صورها بعد أن حاول الطغاة قتل كل جميل في البلاد والعباد.



ما أجمله شعب يقف أعزلاً أمام آلة الموت والدمار بلا سلاح سوى "الله أكبر" تصدح بها القلوب قبل الحناجر..



لا تستطيع الحروف أبداً وصف المشاعر التي أحسست بها عند سماعي تسجيلاً أرسله أهلنا في سوريا لـ "معركة التكبيرات" ..



ولأن الأرواح جنود مجندة أقسم أنني أحسست أنني أقف فوق سطح منزل بتلك المدن الأبية أهتف بأعلى صوت مكبراً رب العزة داعياً أن يرينا آية من آياته فيمن لم يراع فيه إلاً ولا ذمة..



عرفت مدى عشقي لسوريا حين شعرت بذات الغصة التي أحسست بمرارتها لعدم تمكني من التواجد في ميدان التحرير بأتراحه وأفراحه، بدماء الغضب وزغاريد التنحي..



إحساس غريب أن يتمنى المرء بكل حماس أن يتمكن من الإسهام في تحرير أرض ما لا ينتمي إليها بمعايير جوازات السفر تماماً كما تمنى الإسهام في تحرير وطنه.



كيف لا أتمنى أن أكون بين طالبي الحرية من أحفاد العز بن عبد السلام الذي طالما استشهدت بمواقفه التي لا تخشى في الله لومة لائم متحسراً على "علماء" باعوا الدين بالدنيا..



كيف لا أتمنى أن أقف مكبراً فوق أحد البيوت الشامية التي سحرتني عمارتها حتى أنني فكرت مراراً في محاكاتها في بيتي رغم الصعوبات..



تلك البيوت التي تحملت لأجل الاستمتاع بها كمبانٍ ومعانٍ سذاجة بعض المسلسلات التي تدور في الشام القديمة.



كيف لي أن أتقاعس عن الهتاف بأعلى صوتي بلهجة لطالما شنفت أذني من فرط رقتها وفصاحتها في آن واحد. لهجة لا أحتاج معها –مثل بقية اللهجات- إلى مترجم لأنها ببساطة ليست حروفاً مرصوصة وإنما لغة قلوب لا دخل للسان ولا للأذن بها.



وكيف لا وقد أنّ أبناء بردى لخطوب، فلم لا يتداعى لهم أبناء النيل نصرة ولو بالدعاء..



وتمتد علاقة النيل وبردى حتى في الحال الذي وصلا إليه: نضب بردى، وتلوث النيل بالمخلفات من ناحية وبأيدٍ قذرة تعبث بمنابعه من ناحية .. وهكذا حال البلدين .. ولهما الله الذي ندعو أن يطهرهما من كل من دنسهما.








شهيد سوري في المسجد الحرام!!

(كنت شهيداً سورياً لمدة ساعة!!)


لم تغب سوريا عني أثناء أداء العمرة فكما دعوت لبلدي أن يحفظها الله، دعوت لسوريا أن يحقن الله دماء أهلها ويحفظها من كل سوء.


وخلال الرحلة كنت أستوقف بين الحين والحين من أعرف أنه سوري من اللهجة أو الحقيبة التي تحمل اسم شركة السياحة. وكان الحوار لا يستغرق نصف دقيقة: كيف الحال هناك؟ -إن شاء الله خير.. مستبشرين



في المسجد الحرام رن الهاتف.. سيدة سورية من أسرة صديقة .. أول ما جال بخاطري أنها عرفت أنني اؤدي العمرة وتبارك أو تطلب الدعاء بصلاح الحال..



وجدتها منهارة تبكي بحرقة لم أفسر معها الكثير من كلامها.. فهمت أنها عادت لتوها من تشييع شاب من الجيران استشهد بلا ذنب جناه إلا رغبته في تنسم الحرية..



فوجئت بصوت آخر لا أعرفه يحدثني: يا فلان.. أنا أم الشهيد..



اقشعر بدني حتى أنها قالت بعدها كلاماً لم اسمعه لأنني لم أستوعب بعد جلال الموقف بكل أبعاده: أنا في بيت الله الحرام، وأحدث أُم شهيد لا أعرفها عادت من توها من تشييع ابنها الذي خرج منذ ساعات وكله أمل في غد أفضل ربما لم يره لكنه أسهم في وجوده



أفقت من خواطري وطلبت منها إعادة ما قالت.. استحلفتني أن أؤدي عمرة عن ابنها الشهيد سائلة الله أن يتقبله في الشهداء


يالله

يالجلال الموقف.. أؤدي عمرة.. عن من؟ عن شهيد!!!

يالها من مفارقة



لم أكذب خبراً

من فوري شرعت في الإحرام وبدأت العمرة، وخلالها كنت أدعو لمن لا أعرف إلا اسمه. لكنني عرفت فيه الإيمان، والنخوة، والإباء، والعزة ..

وكيف لا فإن هذه الصفات إن لم يتسم بها من خرج حاملاً روحه على كفه أملاً في غد مشرق فمن ذا الذي يتسم بها؟!



دعوت أن يكون دمه لهيباً يفني الطغاة..



دعوت لأهله بالصبر، والمزيد من الثبات، واحتسابه عند من لا يغفل ولا ينام.


دعوت لوطنه بالسلامة وأن يحفظ الله بلاداً لطالما رفعت عالياً كلمة الله..



دعوت أن يذيق الله الطغاة من ذات الكأس، وأن يروا بأعينهم عاقبة ظلمهم بعد أن يذوقوه في الدنيا قبل أن يذيقهم الله إياه في يوم العدل..



دعوت الله أن يجعلهم عبرة لمن يعتبر بعد أن يرينا فيهم آية من آياته تماماً كما رأينا في مصر


وأخيراً دعوت الله أن يحسن ختامنا..

وهل مثل هذا ختام

هناك تعليق واحد:

  1. لم آسمع ببيت الشعر الذي بدآت به مقالك ولكنه انحفر في ذهني ولن آنساه .. هل تصدق آنني كنت آشاطرك آفكارك و دعواتك حين كنت آتسمر آمام التلفاز آتابع آخبار ثورة مصر و آبنائها وهم ينتفضون على طاغية ظنناه الآكبر والآسوآ فاذا هو على كبر سنه تلميذ في مدرسة الطغاة آمام آسدنا.
    تمنيت آن آسهم في تحرير مصر، وكنت آقفز معلقا و مدافعا عن ثورتها للحرية واليوم آقف هنا لآشكرك على مشاعرك و دعواتك و ضميرك الصاحي.

    ردحذف