10‏/09‏/2009

"المعلم" عبد الله الشاطر


لو سئلت عن اليوم الذي أتمنى أن يزول من ذاكرتي .. لاخترت يوم 10/9/2006 يوم وفاة والدي
اللهم ارحمه واغفر له وتجاوز عن سيئاته وأسكنه جنات النعيم
--------
أبويا

ليس من السهل أن أتحدث عنه في كلمات أكتبها لأنها ستبقى ابداً مجرد كلمات لا تنطق بما كانت عليه تلك الشخصية الجميلة.. وإذا كتبت فماذا أكتب؟ وأي جانب أتناول؟

هل أكتب عن الحكمة الفطرية التي وهبها الله لذلك الرجل الذي تلقى تعليماً أولياً في الكتاتيب .. حكمة مكنته من تولي زمام القيادة في كل مراحل حياته.. ولم تكن قيادة شرفية يسعى إليها أو يفرح بها بل كانت الأقدار تفرض عليه تحمل مسئوليات تزداد يوماً بعد يوم.. مسئوليات جد مرهقة لأي كاهل قد يبتلى بها.

هل أكتب عن الرجل الصعيدي الذي رزقه الله خمس بنات فلم يزد إلا أن يرفع يديه –في كل مرة- شاكراً ربه وداعياً لهن بالتوفيق.. وكان دوما يردد: "بناتي.. الواحدة منهم عندي بألف راجل .. وما أبدلهاش بالألف" ثم ينظر إليّ مداعباً: "حقك محفوظ".
استغرب الكثيرون سماح هذا الرجل المحافظ –قبل عشرين سنة- لبناته بالاشتراك في أنشطة جامعية في القاهرة والمدن الساحلية.. وكان يقول إن الثقة هي اللغة التي يتحدث بها هو وبناته.

هل أتحدث عن ولي الأمر لطالب.. وكان هذا مثار علامات استفهام لديّ: لماذا لا أراه في المدرسة شأن كل أولياء الأمور؟! وسرعان ما أدركت الحقيقة وهي أن المدرسة هي التي تذهب إليه؛ ففي كل مساء يقابل هذا المدرس أو ذاك ليحصل على تقارير عن حال الابن. كما لم يكن المدرسون في أحيان كثيرة يبخلون بالتطوع للقيام بهذه المهمة.

إذا كنت قد احترفت العمل الصحفي فالفضل –بعد فضل الله سبحانه وتعالى- لهذا الرجل الجميل الذي حرص على أن أتعلم القراءة في سن مبكرة ومن بعده شخصية شجعتني في الكبر.. وكان من روتين أبي الأسبوعي الذي لا يقبل –هو- المساس به أن يشتري لي مجلات سمير (الأحد) وماجد الإماراتيه (الأربعاء) وميكي (الخميس) ومجموعة قصص الأنبياء للأطفال فضلاً عما أرغب أنا في شرائه من المجلات ثم الكتب في مرحلة تالية.

لا أنسى ساعة أعددت كلمة للإذاعة المدرسية في أول أيامي في المدرسة الإعدادية..وكانت عن المولد النبوي ضمنتها معلومات لم تكن مألوفة سمعتها في خطبة جمعة.. وما أن انتهيت من إلقائها ويدي ترتعشان نظراً للعدد الذي لم أعهده فوجئت بمدير المدرسة المرعب يغادر مكانه ويتجه نحوي سائلاً عن اسمي.. فتهللت أساريره عندما أخبرته وقال: أبوك ده عمنا كلنا..
ما إن وصلت البيت حتى وجدت عم الكل مبتسماً وهنأني –بفخر- بالكلمة التي أعددتها.

هل أتحدث عن رجل ديمقراطي رغم نشاته القاسية. وكان شعاره دائماً: "أشاركك التفكير ولك اتخاذ القرار" وبالفعل هو ما كان يحدث؛ فلا مجال لفرض الرأي أو التلويح باستخدام سلطة الأبوة.

هل أتحدث عن رجل كانت الابتسامة والتمتمة بـ (الحمد لله) هي رده الوحيد على أي من لطمات القدر: شكر ربه مكافحاً صغيراً فرزقه الله تجارة واسعة طيبة السمعة في منطقته، بل وفي العاصمة حيث كان يتعامل مع تجار أكبر مورداً بضاعته إليهم.
وحتى عندما كانت الظروف الصحية والتقدم في السن سبباً في هبوط منحنى المسيرة كان الشكر هو كل ما يبدر منه.

أم أتحدث عن تاجر من الزمن الجميل الذي كانت فيه الكلمة أمضى من كل العقود والاتفاقيات . والغريب أنه استطاع بما وهبه الله من سمات أن يتعامل بقواعد هذا الزمن الجميل في أيامنا التي تشوهت فيها العديد من القيم.
ذلك التاجر خريج الكتاتيب الذي تحول دكانه إلى ما يشبه الصالون الثقافي حيث كان به كنبة (لا أزال أحتفظ بها) شهدت منذ الستينيات مجالس علماء الأزهر والمثقفين الذين كان الاحترام المتبادل هو عنوان العلاقة بين الجميع. وانضم إلى هؤلاء موظفون من المحافظات الأخرى تم تعيينهم في الصعيد الجواني فكانوا يجدون في هذه الجلسة تسرية لهم.
وكان –رحمه الله- على اتصال بمن قضى عاماً أو عامين ثم عاد إلى بمدينته البعيدة.

هل أتحث عن الرجل ذي الهيبة الذي كنت أرى العديد من المواقف التي كان فيها قوياً مع شيء من الشدة. وهو ذات الشخص الذي كانت رقة القلب أهم ما يميزه.

لا أنسى أبداً الزيارة اليومية التي اعتاد البعض القيام بها أثناء مرضه. وهؤلاء الـ "بعض" ما هم إلا مجموعة من الأطفال تحت سن المدرسة اعتاد قبل مرضه تشجيعهم أثناء مرورهم مع ذويهم للحضانة أو مكتب تحفيظ القرآن وذلك بهدية رمزية أو قروش قليلة.
وعندما يخجل الطفل من أخذ هذه الأشياء يبتسم ولي أمره ويشجعه مستعيداً ذات المشهد الذي حدث معه قبل سنوات من نفس الشخص.

هل أتحدث عن هذا الجبل الذي لاحقتها لمسئوليات من المهد إلى اللحد؟
حكى لي أحد الشيوخ أن أبي كان مسئولاً عن تعليم 23 فرداً من العائلة بما فيهم أنا وأخواتي.. كما كان ولياً لـ 17 حالة زواج سواء لأخواتي أو غيرهم من أبناء العمومة. جعله الله في ميزان حسناته.

هذا الجبل رأيت دموعه ساعة تعرضت لحادث في العاشرة من عمري..
رأيت دموعه المحبة لمرض أمي..
رأيت دموعه تأثراً من مشهد قرآني..
رأيت دموعه غيظاً من إحدى قريباته أغضبها أن ابنها لم يرزق إلا ببنات..
ولكن هذه الدموع لم يرها أحد إلا دموع رحمة لا دموع ضعف أو شكوى فقد تحمل هذا الجبل الكثير دون كلل ولا ملل .. ولا ينطق إلا بـ (الحمد لله)

هل أتحدث عن يوم موته. وكيف أنه من بين مرضه وقبيل ساعات من وفاته كان يصر أن يعطيني نقوداً لإعداد واجب الضيافة لأسرة خالي القادمة من مطروح؟

هل أتحدث عن حرصه على أداء فروض الله تعالى؟
وكيف أن آخر ما قام به في وعيه هو صلاة العصر التي تحامل وجلس منتظراً أن تحين وكأنه يتعجل أن تكون نهايته في هذه الدنيا هي أداء الصلاة.

أدى الصلاة.. وغاب عن الوعي لساعات قبل أن يغيب عن الحياة لتؤدى عليه الصلاة..

أصعب صلاة أديتها في حياتي هي صلاة الجنازة على (أبويا) وكنت أنا الإمام.. وكم بكيت وأنا أدعو له أن يبدله الله أهلاً خيراً من أهله..

واللهَ أسأل أن يجزيه خير الجزاء على ما قدم لنا وأن يجمعنا وإياه في جنات النعيم











هناك 9 تعليقات:

  1. الله يرحمه و يغفر له بحق تربيته ليك

    و يجعلك دايما مثل صالح لاولادك ان شاء الله

    و تبقى معاهم فى رحلتهم زى ما كان والدك معاك

    ردحذف
  2. ربنا يغفر له و يرحمه و يجعلك ابن بار له دايما يااا رب

    ردحذف
  3. ربنا يرحمه ياأحمد ويغفر له ذنبه ان شاء الله ويدخل جناته

    ربنا يرحم كل أموات المسلمين

    ردحذف
  4. محمد علاء الدين21 سبتمبر 2009 في 12:38 ص

    اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينق الثوب الابيض من الدنس اللهم جازه عن الحسنات احسانا وعن السيئات عفوا وغفرانا اللهم ابدله دار خير من داره واهلا خير من اهله واجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعل قبره حفرة من حفر الجنة واسقه من يد النبى شربة هنيئة لا يظمأ بعدها ابدا ولا تحرمه النظر الى وجهك الكريم يا كــــــــــــــــــريم ءامين

    ردحذف
  5. جزاكم الله كل خير على دعائكم

    ربنا يتقبل

    ردحذف
  6. الهم اغفر له وارحمه وادخله الفردوس الاعلى

    ردحذف
  7. اللهم ارحمه امين يارب

    ردحذف
  8. ربنا يرحمه ويخليك لينا يا خالو

    ردحذف
  9. يقول رسول الله صل الله عليه وسلم
    '' يموت العبد فينقطع عمله اﻻ من ثلاث
    صدقة جارية.. علم ينتفع به .. ولد صالح يدعو له ''
    او كمال قال صل الله عليه وسلم
    فصلاح الولد من رزق الوالد
    وابر البر للوالدين الدعاء لهما
    فﻻ تنفك عن برهما بمواصلة الدعاء
    كذلك تحقيق نعت رسول الله صل الله عليه وسلم '' ولد صالح ''
    فتحقق الصلاح في شخصك
    زيادة في صحيفة الوالد
    رحم الله الوالد والولد
    رحم الله جميع موتي المسلمين
    وجمعنا بهم ففي دار النعيم.

    ياااااارب

    ردحذف