29‏/09‏/2009

27‏/09‏/2009

يوتوبيا ليه؟!


Utopia .. المدينة الفاضلة

كثيراً ما يسألني أحدهم عن معنى الاسم الذي أدوام على اختياره utopia seeker ..


وبعيداً عن دهاليز المصطلح التي تناولها الفلاسفة والأدباء وغيرهم فأنا واحد من المؤمنين أن هذه المدينة موجودة بيننا وليست ضرباً من الخيال..
ربما يكون وجودها جزئي بلأن تجد صوراً بسيطة منها في واقعنا.. وهذا مؤشر إيجابي أن الطريق إليها ليس مستحيلاً وإن كان صعباً..

المدينة الفاضلة موجودة بالفعل كدستور ومنهج ويبقى علينا تحويلها إلى أرض الواقع؛ فمن ينظر إلى الآداب التي يدعو لها ديننا الأجمل لوجدنا أنها تقيم تلك المدينة كأجمل مما كان يتوقع كل الفلاسفة والشعراء على مر العصور.

يسخر البعض من محاولات بحثي عن تلك المدينة فيما يعرقل آخرون رحلة البحث وتثبط مجموعة ثالثة أية آمال قد تلوح في الأفق مبشرة بقرب الوصول إليها. ولكن على الرغم من كل ذلك أجدني متفائلاً إلى اقصى حد بأن يوماً ما سيحمل تلك البشرى.

في حياتنا اليومية كثيراً ما نجد بعض سكان هذه المدينة تائهين في زحمة دنيانا التي يعتبر كثيرون أنهم جاءوها بطريق الخطأ وأن مكانهم خلف أسوار مدينتهم الفاضلة.. وأرى عكس ذلك فإن وجودهم بيننا هو الرسالة التي يجب أن يؤدونها كاملة عسانا ننهل من صفاتهم التي جلبوها من وراء أسوار مدينتهم.
وكم من مرة رأينا أو سمعنا عن شخص يعامل الناس بطيبة وعطف وحنان قلّ أن يوجد مثلهم في "زمان فيه طيبة القلب بتتعيب" ومع هذا لا يثنيه ما يتعرض له من مضايقات فهو يأبى أن يعامل الناس بما هم أهل له بل يعاملهم بما هو أهل له.

وكم من مرة رأينا من يسبح ضد التيار محاولاًَ تصفية ما تعكر من مياه أخلاقنا بلا كلل أو ملل ودون التفات للمرجفين.
وكم .. وكم.. آلاف الصور التي يمكن أن نقابلها يومياً في حياتنا وتمنحنا الأمل أن اليوتوبيا موجودة ولو بقدر ضئيل داخل كل منا.. ولو أسهم كل منا بما لديه منها لبنينا تلك المدينة بدلاً من البحث عنها كأجمل ما يكون البناء.
---------------


ولم أجد للتعبير عن اليوتوبيا سوى كلمات تلك أغنية قديمة لحميد ومنير..اسمها (أكيد):

باحلم يا صاحبي يكون لنا
حقيقة صافية في عمرنا
باحلم بعالم فيه قلوب
بريئة دافية تضمنا

عالم جديد..يمكن بعيد
لكن أكيد .. هيكون لنا

باحلم أشوف الكون عمار
في دنيا ما تعرف دمار
باحلم بعالم ليل نهار
يطرح محبة في أرضنا

عالم جديد..يمكن بعيد
لكن أكيد .. هيكون لنا

باحلم وباهرب للخيال
للحب والخير والجمال
باحلم بعالم مش محال
يبقى حقيقة ف يدنا

عالم جديد..يمكن بعيد
لكن أكيد .. هيكون لنا




---------

يا ترى العالم ده ممكن يكون لنا ؟؟!!

21‏/09‏/2009

أنابيش.. صفحات من الزمن الجميل

أنابيش (2)
سمك لبن تمر هندي


· مكتبة المدرسة !
أجهزة الكمبيوتر المخزنة دون استعمال!!
الفناء!!!
· = سيدي لم نتسلم الطبعات الجديدة من الكتب.. إننا ندرس دون كتب ما العمل؟
== الله أعلم .. اتصرفوا!!!!
( من حوار مع مسئول بالمدرسة)
· إن ما يفعله في طابور الصباح وما يتفوه به من ألفاظ أمام من كانوا أساتذته إنما يرجع لأن أحداً منهم لم يقل له: "عيب يا ولد"
· الإذاعة المدرسية.. المستحيل الرابع
· عزيزي الطالب إذا أردت أن تستريح في بيتك ثلاثة أيام ثم تمتع ولي أمرك بزيارة المدرسة استعمل السلم الخاص بالمدرسين... وعجبي



حبيبها

قصة قصيرة


"أخيراً.. سأتقابل معه اليوم.. إنه اليوم الذي كنت أنتظر. لا أصدق نفسي.. ترى ماذا سيقول عني بعد أن أتركه؟ بل هل سيتذكرني من بين الكثيرات اللائي عرف؟ أعرف أنه عرف الكثيرات قبلي.. ولكني أبداً لن أيأس.. سأصل إليهواستحوذ على إعجابه مهما كان الثمن وسأجعله ينسى كل من عرف.. يااااه.. ليته يحبني بقدر ما أحبه. إن كل ما أصبو إليه أن يحبني فبهذا أكون قد حققت حلمي الأكبر.."

"باق عشر دقائق استعدي يا آنسة" قطع هذا الصوت شريط الأحلام الذي مر بمخيلتها فردت باقتضاب أنها مستعدة..
وعاد الشريط يمر "ترى ماذا أفعل عندما أراه؟ هل أبادره بالتحية أم أترك له المبادرة؟ وهل ستترك مقابلتي الأولى انطباعاً حسناً لديه؟ ترى هل سيطلب مقابلتي مرة أخرى أم أنه...؟؟"

وعاد الصوت يقطع الشريط: "استعدي.. باقي ثلاث دثائق"

"يا إلهي لماذا تثاقلت قدماي؟ وما تلك القشعريرة التي تسري في بدني؟ ياله من موقف عصيب.. هل أتراجع؟ يا إلهي إنني..."

وعاد الصوت: "هيا.. ثلاثون ثانية و.. يرفع الستار"
واتخذت قرارها وبقلب مرتجف وبخطىً متثاقلة مضت نحو حبيبها .. الجمهور

******

((للأسف كان مدير المدرسة يسب الدين فكتبت ونشرت هذه الفقرة))

همسة صارخة

نشرت صحيفة (صرخة) الصادرة في جمهورية (الحرية) ما يلي:

"ماذا تنتظرون من أبناء مؤسسة يسب رائدها الدين جهاراً نهاراً؟؟!!"

الشاطر


************************************

وأنسى من أنسى إلا أن نسيان أفضال أ/ خالد النجار -مشرف الصحافة- يعتبر من الجحود البيّن؛ فقد كان متفهماً لأفكاري وإن كانت "ثورجية" حتى أن الكثيرين انتقدوه لسماحه بنشر بعض الموضوعات لكنه كان دوماً فخور بالأنابيش
وهل هناك وفاء أكثر من أنه لا يزال حتى اليوم رغم كل السنوات يحتفظ باسم "أنابيش" لكل مطبوعات المدرسة الثانوية بنين.. بل ويزيد أن يحكي لهم عن مؤسسيها..
جزاه الله كل خير

***********
في بعض الصفحات اقتطعت جزءاً أسفل الصفحة لعمل إعلانات للمحلات المجاورة مقابل أن يقدم كل محل هدايا للفائزين بمسابقة المجلة.. وتحمس المعلنون وقدموا جوائز لأكثر من 50 فائز في مدرستنا ومدرسة البنات لأن أ/ خالد كان مشتركاً بين المدرستين.

18‏/09‏/2009

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

مجلة (المجلة)



عندما عملت في مجلة (المجلة) اللندنية كان موقعها على الإنترنت ينشر بعض موضوعات من العدد الورقي.

وعندما أغلقت المجلة وتحولت إلى مجلة إليكترونية فقط للأسف تمت إزالة المواد القديمة

وبالمصادفة كنت أحتفظ ببعض الصفحات مما كتبت في المجلة ..

وهي موجودة على الرابط التالي

http://www.4shared.com/file/133340742/80c0cfee/links.html

وللأسف ليس من بينها موضوع قامت جريدة عراقية من لندن بسرقته ولما اتصلت بها طلبت رقم العدد والصفحة وهو ما لم يتوفر لدي للأسف حالياً ويتطلب بحثاً في الأرشيف



غلاف العدد الأخير من مجلة (المجلة) بعد أن استمرت في الصدور ربع قرن

15‏/09‏/2009

أنابيش.. صفحات من الزمن الجميل


أنابيش


في
حياة كل واحد منا فترة من العمر تستحق أن ينبش فيها ويستخرج من ذكرياتها كنوز الماضي ذلك الزمن الجميل
-----

أول أنابيشي عبارة عن مجلة مطبوعة قمت بإعدادها وإخراجها في المرحلة الثانوية (ديسمبر 1993) .. وعلى الرغم من أنها كانت ناقدة للكثير من الأوضاع إلا أنها -بحمد الله- نالت الإعجاب كما فازت بجوائز على مستوى المحافظة.


وكان اسمها (أنابيش)




افتتاحية العدد

بسم الله الرحمن الرحيم

"الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله"

بعد أن سُدَّت أمامنا طرق توصيل أصواتنا إليكم عبر الإذاعة المدرسية، فكرنا في هذ الإصدار الذي قدمنا فيه الرأي الحر والفكر المتحرر وانتقدنا دونما تجريح أو تطاول.
ولعل أول ما يتبادر إلى ذهنك –عزيزي القاريء-:

لماذا (أنابيش)؟

إنما أتى اختيارنا هذا الاسم لأننا نبشنا في العديد من الموضوعات وولجنا مناطق كانت تعد محظورة وتعدينا الكثير من الخطوط الحمراء. وكانت حصيلة كل هذا تلك الأنابيش التي بين يديك والتي نأمل أن تنال رضاءك كما نأمل أن تسامحنا إذا ما نسينا أو أخطأنا فما نحن إلا حباة في بلاط صاحبة الجلالة ... وبعد هذا لا يسعني إلا قول: "الحمد لله"

رئيس التحرير
أحمد عبد الله الشاطر


****************

الموضوع التالي كان الأكثر إثارة للجدل حيث كان يتناول ضرب الطلاب... والحمد لله صمدت المجلة في وجه التهديدات بوقف طباعتها وكان لنا ما اردنا

رسالة إلى معلمي


قديماً قالوا "دوام الحال من المحال". وكان الحال الذي لا أتمنى له الدوام هو حال المعلم اليوم وما آل إليه. وكذا إصراره على المخالفة الصريحة للقانون الإنساني والتشريعي.. ومن هنا كانت صرختي وكانت .. "رسالة إلى معلمي"


بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليس أبداً من العيب أن نخطئ ولكن العيب كل العيب أن نمادى في الخطأ.. وليس من العيب أن ينبه شخص آخراً للخطأ وإن كان من ينبه هو الأصغر سناً.. ورغم أنني الأصغر إلا أنني تنبهت لخطأ –بل جرم- ترتكبه في حقي ألا وهو إصرارك على ضربي –أنا الطالب- وهو كما تعلم ممنوع بنصوص القانون الإنساني والتشريعي.

سيدي:
ألا تعلم أن عصاك حين تنهال عليَّ لا تنهال على يديَّ فحسب بل على صورتك المثالية المرسومة في داخلي فتحطمها وتحيلها إلى فتات وذلك –سيدي- لأنك أهنتني وجرحت كرامتي وشعوري أمام زملائي بل أمام نفسي أيضاً؛ وليس أكثر بشاعة من جرح الكرامة.

سيدي:
ستقول إنك تعلمت وتربيت بهذا الطريقة ولكني أقول إن ظروفنا –نحن الجيل الحالي- تختلف عن ظروفكم حيث أن هذا العصر بما فيه من ضغوط حياتية جعل التمرد والعتاد من أبرز سماتنا فليس من المعقول أن تعود "الفلكة" بأن يظل المدرس ممسكاً عصا تفوقه طولاً في عصر الكمبيوتر وغزو الفضاء.. بالتأكيد سأشعر –أنا الطالب- برغبة في التمرد وإعلان العصيان ولكنني سأكبت مشاعري. وكما تعلم سيدي فإن الكبت يولد الانفجار لاذي لن يكون بأي حال من لاأحوال شيئاً محمود العواقب.. فلم رمي النار على الوقود ثم البكاء على ما كان؟!

سيدي..
إن هذا الجيل لن تصلح معه وسائل الأجيال الماضية بل يجب أن تكون صحية لا أقصد جسدياً بل نفسياً فيجب عليك –سيدي- أن تلم بشخصية الطالب فليس هذا الطالب مثل ذاك فلهذا شخصية ووسائل للتعامل معه ولذلك كذلك.

سيدي..
ما بالك بمن يضرب بما يجعلك تحس أنك في ميدان قتال لا دار علم وان حاملها إنما يتأهب لخوض حرب ضروس من عصي غليظة وخراطيم مياه وسعف نخيل وارجل مقاعد بل بمواسير معدنية!!!
أين نحن يا سيدي ؟؟ في أية قبيلة بدائية نعيش؟؟ وكل هذا في أغلب الأحيان والأسباب تافهة!!!

سيدي..
إن بيدك العديد من الوسائل غير الضرب فمعك دفتر أعمال السنة وبه خانة النشاط وخانة السلوك . كما أن القانون كما كفل للطالب حقوقاً كفل حقوقاً لك. فليس معنى تنازلك عن حقوقك أنني سأفعل.. لا وألف لا ؛ فلا معنى أن تترك الحقوق التي كفلها لك القانون والتي قد تصل لفصلي –أنا الطالب- من المدرسة وعدم قيدي بأي من مدارس الجمهورية. فلا معنى أن تفعل وتطالب بتنفيذ القانون بيدك.. بل بما في يدك.

سيدي..
أرجو ألا تأخذ الموضوع مأخذ التحدي والتطاول بل خذه مأخذ النصيحة الجادة من أخ صغير وأرجو ألا تنظر إليه من طالب لمعلم بل من أخ لأخيه الأكبر.

سيدي..
معذرة.. فقد أطلت عليك بالحديث لكنه كان لزاماً على أن أفعل لمصلحتك.. ثم مصلحتي...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من أخيك الأصغر:

أحمد عبد الله الشاطر
---------

مرفق صورة من موضوع بالأهرام بعنوان:
" ضرب التلاميذ في المدارس جريمة.. الأهرام 22 أكتوبر 1993"

12‏/09‏/2009

11 سبتمبر 2001

بن لادن في كلية الألسن

تقدمت في صيف 2001 لامتحان القبول دبلومة الترجمة بكلية الألسن بالقاهرة.. وكان الامتحان عبارة عن خمس اختبارات: ترجمة من العربية- ترجمة من الإنجليزية- مقال عربي (وهو موضوعنا اليوم)- مقال إنجليزي- لغة أجنبية ثانية (الفرنسية)
كان موضوع المقال العربي عن العولمة وهيمنة القطب الأوحد.. وتصادف أن يأتي هذا الموضوع متواكباً مع انعقاد مؤتمر اقتصادي في جنوب أفريقيا شهد أكبر تظاهرة ضد العولمة..
وكتبت مقالاً يتناول فكرة ان العولمة والممارسات الأمريكية ستجعل العالم يزداد كرهاً لأمريكا وتنهار صورتها أمام العالم أجمع.. كل هذا عادي..
الشيء غير العادي هو العنوان الذي وضعته للمقال فمن بين مئات الأفكار لعناوين اخترت العنوان التالي:

بعد مظاهرات مؤتمر ديربان...
أمريكا تنتظر العقاب

وبعد تسليم الورقة فوجئت في الشارع والمواصلات بحوارات عن حدث جلل.. وكعادتي لم ألتفت ومضيت إلى حال سبيلي.. بمجرد دخولي المنزل وجدت كل القنوات تتناول موضوعاً واحداً تحققت فيه نبوءتي بأسرع ما تتحقق نبوءة فقد كان يوم الامتحان هو 11 سبتمبر 2001!!!..

10‏/09‏/2009

"المعلم" عبد الله الشاطر


لو سئلت عن اليوم الذي أتمنى أن يزول من ذاكرتي .. لاخترت يوم 10/9/2006 يوم وفاة والدي
اللهم ارحمه واغفر له وتجاوز عن سيئاته وأسكنه جنات النعيم
--------
أبويا

ليس من السهل أن أتحدث عنه في كلمات أكتبها لأنها ستبقى ابداً مجرد كلمات لا تنطق بما كانت عليه تلك الشخصية الجميلة.. وإذا كتبت فماذا أكتب؟ وأي جانب أتناول؟

هل أكتب عن الحكمة الفطرية التي وهبها الله لذلك الرجل الذي تلقى تعليماً أولياً في الكتاتيب .. حكمة مكنته من تولي زمام القيادة في كل مراحل حياته.. ولم تكن قيادة شرفية يسعى إليها أو يفرح بها بل كانت الأقدار تفرض عليه تحمل مسئوليات تزداد يوماً بعد يوم.. مسئوليات جد مرهقة لأي كاهل قد يبتلى بها.

هل أكتب عن الرجل الصعيدي الذي رزقه الله خمس بنات فلم يزد إلا أن يرفع يديه –في كل مرة- شاكراً ربه وداعياً لهن بالتوفيق.. وكان دوما يردد: "بناتي.. الواحدة منهم عندي بألف راجل .. وما أبدلهاش بالألف" ثم ينظر إليّ مداعباً: "حقك محفوظ".
استغرب الكثيرون سماح هذا الرجل المحافظ –قبل عشرين سنة- لبناته بالاشتراك في أنشطة جامعية في القاهرة والمدن الساحلية.. وكان يقول إن الثقة هي اللغة التي يتحدث بها هو وبناته.

هل أتحدث عن ولي الأمر لطالب.. وكان هذا مثار علامات استفهام لديّ: لماذا لا أراه في المدرسة شأن كل أولياء الأمور؟! وسرعان ما أدركت الحقيقة وهي أن المدرسة هي التي تذهب إليه؛ ففي كل مساء يقابل هذا المدرس أو ذاك ليحصل على تقارير عن حال الابن. كما لم يكن المدرسون في أحيان كثيرة يبخلون بالتطوع للقيام بهذه المهمة.

إذا كنت قد احترفت العمل الصحفي فالفضل –بعد فضل الله سبحانه وتعالى- لهذا الرجل الجميل الذي حرص على أن أتعلم القراءة في سن مبكرة ومن بعده شخصية شجعتني في الكبر.. وكان من روتين أبي الأسبوعي الذي لا يقبل –هو- المساس به أن يشتري لي مجلات سمير (الأحد) وماجد الإماراتيه (الأربعاء) وميكي (الخميس) ومجموعة قصص الأنبياء للأطفال فضلاً عما أرغب أنا في شرائه من المجلات ثم الكتب في مرحلة تالية.

لا أنسى ساعة أعددت كلمة للإذاعة المدرسية في أول أيامي في المدرسة الإعدادية..وكانت عن المولد النبوي ضمنتها معلومات لم تكن مألوفة سمعتها في خطبة جمعة.. وما أن انتهيت من إلقائها ويدي ترتعشان نظراً للعدد الذي لم أعهده فوجئت بمدير المدرسة المرعب يغادر مكانه ويتجه نحوي سائلاً عن اسمي.. فتهللت أساريره عندما أخبرته وقال: أبوك ده عمنا كلنا..
ما إن وصلت البيت حتى وجدت عم الكل مبتسماً وهنأني –بفخر- بالكلمة التي أعددتها.

هل أتحدث عن رجل ديمقراطي رغم نشاته القاسية. وكان شعاره دائماً: "أشاركك التفكير ولك اتخاذ القرار" وبالفعل هو ما كان يحدث؛ فلا مجال لفرض الرأي أو التلويح باستخدام سلطة الأبوة.

هل أتحدث عن رجل كانت الابتسامة والتمتمة بـ (الحمد لله) هي رده الوحيد على أي من لطمات القدر: شكر ربه مكافحاً صغيراً فرزقه الله تجارة واسعة طيبة السمعة في منطقته، بل وفي العاصمة حيث كان يتعامل مع تجار أكبر مورداً بضاعته إليهم.
وحتى عندما كانت الظروف الصحية والتقدم في السن سبباً في هبوط منحنى المسيرة كان الشكر هو كل ما يبدر منه.

أم أتحدث عن تاجر من الزمن الجميل الذي كانت فيه الكلمة أمضى من كل العقود والاتفاقيات . والغريب أنه استطاع بما وهبه الله من سمات أن يتعامل بقواعد هذا الزمن الجميل في أيامنا التي تشوهت فيها العديد من القيم.
ذلك التاجر خريج الكتاتيب الذي تحول دكانه إلى ما يشبه الصالون الثقافي حيث كان به كنبة (لا أزال أحتفظ بها) شهدت منذ الستينيات مجالس علماء الأزهر والمثقفين الذين كان الاحترام المتبادل هو عنوان العلاقة بين الجميع. وانضم إلى هؤلاء موظفون من المحافظات الأخرى تم تعيينهم في الصعيد الجواني فكانوا يجدون في هذه الجلسة تسرية لهم.
وكان –رحمه الله- على اتصال بمن قضى عاماً أو عامين ثم عاد إلى بمدينته البعيدة.

هل أتحث عن الرجل ذي الهيبة الذي كنت أرى العديد من المواقف التي كان فيها قوياً مع شيء من الشدة. وهو ذات الشخص الذي كانت رقة القلب أهم ما يميزه.

لا أنسى أبداً الزيارة اليومية التي اعتاد البعض القيام بها أثناء مرضه. وهؤلاء الـ "بعض" ما هم إلا مجموعة من الأطفال تحت سن المدرسة اعتاد قبل مرضه تشجيعهم أثناء مرورهم مع ذويهم للحضانة أو مكتب تحفيظ القرآن وذلك بهدية رمزية أو قروش قليلة.
وعندما يخجل الطفل من أخذ هذه الأشياء يبتسم ولي أمره ويشجعه مستعيداً ذات المشهد الذي حدث معه قبل سنوات من نفس الشخص.

هل أتحدث عن هذا الجبل الذي لاحقتها لمسئوليات من المهد إلى اللحد؟
حكى لي أحد الشيوخ أن أبي كان مسئولاً عن تعليم 23 فرداً من العائلة بما فيهم أنا وأخواتي.. كما كان ولياً لـ 17 حالة زواج سواء لأخواتي أو غيرهم من أبناء العمومة. جعله الله في ميزان حسناته.

هذا الجبل رأيت دموعه ساعة تعرضت لحادث في العاشرة من عمري..
رأيت دموعه المحبة لمرض أمي..
رأيت دموعه تأثراً من مشهد قرآني..
رأيت دموعه غيظاً من إحدى قريباته أغضبها أن ابنها لم يرزق إلا ببنات..
ولكن هذه الدموع لم يرها أحد إلا دموع رحمة لا دموع ضعف أو شكوى فقد تحمل هذا الجبل الكثير دون كلل ولا ملل .. ولا ينطق إلا بـ (الحمد لله)

هل أتحدث عن يوم موته. وكيف أنه من بين مرضه وقبيل ساعات من وفاته كان يصر أن يعطيني نقوداً لإعداد واجب الضيافة لأسرة خالي القادمة من مطروح؟

هل أتحدث عن حرصه على أداء فروض الله تعالى؟
وكيف أن آخر ما قام به في وعيه هو صلاة العصر التي تحامل وجلس منتظراً أن تحين وكأنه يتعجل أن تكون نهايته في هذه الدنيا هي أداء الصلاة.

أدى الصلاة.. وغاب عن الوعي لساعات قبل أن يغيب عن الحياة لتؤدى عليه الصلاة..

أصعب صلاة أديتها في حياتي هي صلاة الجنازة على (أبويا) وكنت أنا الإمام.. وكم بكيت وأنا أدعو له أن يبدله الله أهلاً خيراً من أهله..

واللهَ أسأل أن يجزيه خير الجزاء على ما قدم لنا وأن يجمعنا وإياه في جنات النعيم