18‏/11‏/2011

من وحي أعياد الطفولة... أعشقهم وأكره أيامهم



أعشقهم وأكره أيامهم



هي فئات كأن الله سبحانه وتعالى خلقها لتعيش في قلوبنا قبل أن تعيش في بيوتنا..

ولكننا بذكاء الدبة التي قتلت صاحبها نجحنا –ولو بحسن نية- أن نطعنهم طعنات نجلاء تدميهم ونحن نعتقد أننا بذلك نبين مدى حبنا لهم؛ فجعلنا لكل منها يوماً من باب الوفاء لهم والتذكير بهم، ولكن في حالات كثيرة ينقلب هذا اليوم لعكس ما أريد منه.


(ليست رؤية تشاؤمية بقدر ما هي دعوة لضبط إيقاع تعبيرنا عن مشاعرنا)



(1)

يعرف القاصي والداني مدى عشقي للأطفال، وكيف لا وهم من يجعلون للحياة رونقاً؛ ومعهم يسقط كل حاجز وتكلف، ولا يتبقى إلا البراءة التي تجد نفسك متلبساً بها وأنت تعرف أنك أبعد ما يكون عنها. لكنهم بكل أريحية يمنحونك تلك الفرصة النادرة.

في الشهر الجاري –نوفمبر- تطل احتفالات أعياد الطفولة. أذكر منذ طفولتي –من زمان يعني- احتفالات التليفزيون ذات الطابع الإلحاحي، وموضوع الإنشاء الذي لا يتغير عن عيد الطفولة وأفراحها، ويليه موضوع الرسم عن ذات اليوم.

ولا مانع من حفلة مدرسية بعد أن يكون برنامج الإذاعة مكتظاً بالمواد ذات الصلة.

لله الحمد بدأت تخف تلك النغمة بعض الشيء في السنوات الأخيرة.

تأملت هذه الاحتفالات –حتى بعد تخفيضها- وعلى الجانب الآخر نظرت إلى أطفال آخرين لهم الحق كل الحق في الاحتفال لكن ظروفهم جعلت احتفالاتهم من نوع آخر.

في احتفالاتنا نشعل صواريخ، وفي احتفالاتهم تشتعل فيهم وبهم الصواريخ..

في احتفالاتنا نطيرِّ بالونات، بينما لا ترضى احتفالاتهم إلا بطيران أجسادهم الرقيقة جراء قصف غادر هنا أو هناك..

احتفالاتنا نطفيء فيها الأنوار والشمع ابتهاجاً، واحتفالاتهم تطفأ فيها بهجة الحياة القصيرة..

حتى وقت قريب كان هذا الوجه المظلم للطفولة قاصراً على أطفال فلسطين الذين لا يتغير يقيني بأنه "حالة استثنائية أن تكون طفلاً فلسطينياً" ..

http://ahmadalshatir.blogspot.com/2009/12/27-2008_27.html


ولكن شهدت الفترة الماضية دخول منافسين لا يجمعهم دم القرابة.. ولكن تجمعهم رائحة الدم الزكية التي تفوح من أجسادهم الطاهرة.

كان الطفل الليبي والسوري واليمني والبحريني –الذي لا يبرر اختلاف المذهب قتله أو ترويعه في أحسن الأحوال- أطفال أصبحوا يميزون على صغر سنهم أنواع القاذفات التي تحيل نهارهم ليلاً..

وفي الصومال طفل لا تقوى عضلات وجهه على مجرد رسم ابتسامة سخرية على المفارقة التي تجعل العالم يحتفل بأطفاله بينما لا يجد هذا الطفل وملايين غيره الحق في شربة ماء.

فيا كل من يجد ماء وجه يقيم به احتفالات الطفولة ليتك تتذكر هؤلاء الأطفال بين قتيل وجريح ومشرد ولاجئ... وجائع.



(2)

ومادام الحديث عن الأطفال فلا مناص من الحديث عن الأم.. العشق الأكبر

كثيراً ما حاولت أن أكتب عن أمي بشكل خاص والأم بشكل عام ولكنني –أقسم بالله- أجد نفسي عاجزاً عن كتابة جملة مفيدة.. وكيف لكلمات العالم أن توفيها حقها.. فاغفروا لي تقصيراً لا ذنب لي فيه بل ذنب الأم أنها أعجزت الأقلام.

في سنتي الأولى طفلاً في (مدرسة السادات) جاءت إدارة المدرسة لتوزيع حلوى على الأطفال –نحن- وما أن أفصحوا عن السبب حتى سمعت صرخة ثم صرخات ثم بكاء لم أشهده في عمري الصغير آنذاك.. كانت (هدى) –أتذكر اسمها ولا أعرف أين ذهبت لأنها لم تداوم أكثر من ذلك العام- وبقدر فرحتنا بقطعة الحلوى بقدر رعبنا من هذا الجو التراجيدي. وعرفنا السبب فقد كانت المناسبة هي .. يوم الأم، وكانت أم (هدى) في رحاب الله.

رغم صغر سني إلا أنني لم أجد مبرراً للفرحة الكبيرة التي أجدها في كل العالم في هذا اليوم.. التليفزيون ذو القناتين، والإذاعة التي لا تكف عن ترديد أغنيتي فايزة وشادية.

بمرور الأيام عرفت كم هي قاسية تلك الأغاني والاحتفالات على من لها ظروف (هدى).. متع الله أمهاتنا بالعافية، ورحم من توفاه الله منهن.

وعلى الجانب الآخر لم أستطع تصور وقع تلك المهرجانات على أم ألقاها أبناؤها في دار للمسنين بلا رحمة ولا إحسان..

الملاحظ مؤخراً أن هذا اليوم أصبح موسماً تجارياً لا يجاريه إلا الفالانتاين –وله وقفة- وبالطبع لن يضع التاجر ذو الحسابات الرقمية تلك الاعتبارات في حسبانه..



(3)

اليتيم هو تلك الوسيلة التي منحنا الله إياها لتنظيف قلوبنا من أدرانها، والواحة التي نستظل فيها من وعثاء سفرنا في الدنيا بكل ما فيها من ماديات جامدة.

رحم الله أستاذنا الذي لا أجد له وصفاً يليق به سوى: "الإنسان" عبد الوهاب مطاوع

نشر ذات مرة رسالة لامرأة ضاقت بها الدنيا بذنوبها وتراكمت عليها الأحزان وسألته النصح.. فكان جوابه أن تذهب إلى دار للأيتام فحسب.

وما هي إلا أسابيع حتى ردت برسالة شاكرة الوصفة السحرية التي أعادت إلى قلبها السكينة والطمأنينة، وإلى حياتها الأمان المفتقد.

مع الأيتام تحس بمشاعر تسمو بك كثيراً، فضلاً عن الثواب الذي وعد به رب العالمين ورسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكالمعتاد جعلنا لليتيم عيداً –الجمعة الأولى من شهر أبريل- وهي سلاح ذو حدين؛ فمن ناحية تذكر الناس بوجود تلك الفئة التي ابتلاها الله بالحرمان من الأبوين. ولكن في المقابل فإن لها آثاراً سلبية تتمثل في الإحساس البشع الذي يجد فيه اليتيم نفسه في اليوم التالي. ورأيت بعيني دوراً للأيتام لا تتسع للهدايا في يوم اليتيم حتى أن الأطفال تدوسها بأقدامها. وفي اليوم التالي يصحو وقد لا يجد من يسلم عليه بتحية الصباح.

ناهيك عن غياب الثقافة لدينا في التعامل مع تلك الفئة فيتصرف البعض بطريقة تكون الشفقة عنوانها مما يأتي بآثار عكسية تماماً.


(4)

من منا يكره الحب؟ عن نفسي أرى أن حل مشاكل كل البشرية يمكن في أن يحب كل منا ما يحب لغيره، وأن يتحاب الجميع في الله .

ومن منا لا يكره المتحابين –بشرع الله- فهم من يجعلون في الحياة أملاً.. وكم من زوجين مر على بداية رحلتهما سوياً سنوات طوال إلا أن ما زرعه الله بينهما يجعلهما كأنهما مخطوبين منذ ساعات.

واستورد رجال الأعمال هذه المرة عيداً للحب تيمناً وإحياءاً لذكرى القديس فالانتينو..

فامتلأت الأسواق بالسلعة الأكثر رواجاً الـ "دباديب" التي أصبحت الرمز المفضل بعد أن أصبحت الزهور موضة قديمة. وصارت القاسم المشترك مع هدايا أخرى بحسب انتفاخ جيب مشتريها.

من ناحية هي موضة تجارية بحتة.. كما أنها تغريبية وهو ما يشعر به كل من يرى تلك الاحتفالية في المدن الكبرى حيث يحس المرء أن الكون كله يسير في فلك القديس فالانتينو.

وبالطبع هذا اليوم بكل استفزازه يمر بصورة مأساوية على الكثيرين ممن قست عليهم الدنيا.

***************


ليتنا لا نضيع حسن نيتنا في الاهتمام بمن حولنا بأن نحول احتفاءنا بهم إلى جروح لا تندمل..

ليتنا نقتصد في التعبير عن مشاعرنا.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق