26‏/11‏/2011

متى نهاجر؟




متى نهاجر؟


كل عام أنتم بخير

عام هجري حزم أمتعته راحلاً بلا عودة، وآخر يهل علينا نأمل من الله أن يكون حاملاً معه الخير كل الخير.


منذ فتحت عينيّ على الدنيا وأنا أتابع ذات السيناريو يتكرر في مثل هذه الأيام: القنوات تتنافس على عرض الأفلام التي تنتهي بنشيد "طلع البدر علينا" الذي تشير كلماته إلى أنه أنشد عند عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك بعد تسع سنوات من الهجرة ..

ولا يختلف الحال كثيراً عن خطبة –أو خطب- الجمعة التي لا تفتأ تعيد وتزيد قصة الحمامة والعنكبوت والتي يرى العلماء أن روايتها سندها ضعيف وعلتها ظاهرة.


اختزلنا دروس الهجرة في أفلام وخطب مكررة لسنوات طوال.

(طرفة حقيقية:

اعتاد أحد الأصدقاء أن يصلي لدى شيخ جليل في أرمنت لمجرد أن خطبته قصيرة.. وذات يوم تقابلنا بعد الصلاة، فسألته لماذا تأخرت؟ رد قائلاً: إن الشيخ فلان حكالنا أفلام الهجرة كلها في الخطبة)


للأسف هذا هو الواقع: فيلم وحكاوي.. وبس.


ولكن السؤال: متى نهاجر؟


هاجر صلى الله عليه وسلم وصحبه بأرواحهم قبل أبدانهم؛ فقد تركوا الغالي والنفيس، وهجروا البيوت والأوطان فراراً بدينهم وحتى يتمكنوا من نشر كلمة الله وجعلها العليا.


متى نهاجر مثل تلك هجرة؟ لماذا لا تهاجر أرواحنا وتترك ضيق الحياة المادية لتسبح في رحاب الصفاء الروحي. لا أقصد بالطبع أن ينعزل الواحد منا ويتقوقع بدعوى السعي وراء الروحانيات. ما أقصده أن يكون القرب من الله هو محركنا في كل شئون حياتنا؛ في العلم والتعلم، في العمل، في الاجتماعيات، وبالمجمل في شتى مناحي الحياة.


متى نهاجر إلى الله؟ وهي هجرة لن ترهقنا كما هجرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وصحبه.. هجرة زادنا فيها اليقين بالله، وخارطتنا يرسمها كتاب الله وسنة نبيه، وصحبتنا في تلك الهجرة هي صحبة الأخيار الذين يرضى عنهم الله.


متى نهاجر فنهجر؟ نهجر كل ما لا يقره ديننا وشرعنا وأعرافنا.

نهجر صراعات دنيوية وضيعة لنيل منصب هنا أو قروش هناك.

نهجر شهوات صارت تتحكم في سلوكيات وتصرفات الكثيرين الذين صاروا عبيداً لنزواتهم ورغباتهم.

نهجر كل ما يضيع واحدة من أهم نعم الله علينا: نعمة الوقت؛ فإن عرفنا كيف نستغله في الخير فأنعم به، وإلا فلنعيد ترتيب أوراقنا لنستعد للإجابة عن السؤال المنتظر: وقتك..فيم أضعته؟

نهجر أنانية جعلت من دنيانا غابة يأكل كبارها الصغار، ولا يجد فيها المحتاج من يمد يداً علماً بأن هذه اليد لا تمتد مناً وإنما تمتد بحق معلوم.

نهجر مصالح ضيقة نسعى لتحقيقها حتى وإن كان المقابل سلامة وطن كرمه الله في غير موضع.


متى نهاجر من جهلنا، ونسعى لتعلم العلم الذي يفيد، في كل سن وكل حال؟

للأسف فإن غالبيتنا –وما أبرئ نفسي- يعانون من الجهل بأمور لا يصح الجهل بها من مسائل شرعية، ودنيوية. وباتت أمة اقرأ لا تقرأ، ونظرة صغيرة لمستويات طلابنا ندرك حجم الكارثة.


لماذا لا نهاجر ألف هجرة وهجرة تسمو بنا لنستحق أن نكون من حملة الرسالة التي تحمل رسولنا وصحبه الكثير مما لا نطيق في سبيل وصولها إلينا؟


ليت هجرتنا لا تطول


((كانت الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة.. تلك التي أدعو الله مراراً أن تكون لي بها عيشة وميتة .. آمين))


وأخيراً..

رسم لنا العام الماضي خلاصة أحداثه الجسام التي كان البشر مجرد أداة فيها ولم تكن لتحدث سوى بأمر الله تعالى، في صورة بديعة هي قدرة الله في أجمل صورها:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق