08‏/03‏/2012

جويرية

جويرية
سمت جميل لا تخطئه عين من يتعرف إلى (جويرية) -جورة..كما يحلو للأهل والصديقات مناداتها- .. تلميذة الابتدائية ذات الروح المفعمة بالحياة برزانة لا تتفق مع عمرها ولا مع خفة ظلها الوقور.
هكذا عرفتها منذ سبع سنوات .. عرفت حبها للاطلاع، طلبت أعمالها فوجدت فيها من النضج الكثير، وكذلك كانت زميلتها وصديقتها المقربة (سحر)..
استأذنت ولي أمرهما وانطلقت بهما في أنشطة وصلت –بفضل الله- إلى مراكز على مستوى الجمهورية..
جزء مما نشر عن (جويرية) في مجلة مدرستها 2006
في الخير كان لها السبق أيضاً؛ فقد كانت تصطحب أسرتها لتشاركنا زيارات دور الأيتام.. وكذلك في تنظيم حفلات افطار لمن يعانون من الأطفال سواءً بفقد الوالدين أو بإعاقة ما تمنعهم من الانطلاق في حياتهم ..
لكنها –ومن معها- كانوا يجعلون من تلك الانطلاقة واقعاً بعد أن كان حلماً صعب المنال..
كم ضحكنا لبراءتها في حفل افطار من هذا النوع بنادي الترسانة، لم تستطع اللحاق بالمجموعة قبل أذان المغرب.. ضحكنا عندما كانت تروي لنا كيف أنها حاولت –مازحةً- إقناع الأسرة بتناول الإفطار في "مائدة رحمن" في الشارع .. و"كله بثوابه" على حد قولها..
يومها –كما أتذكر جيداً- حكت (وكانت في الشهادة الإعدادية) عن رغبتها في إعادة تجربة إصدار صحفي بمدرستها لكي تتمكن –وزميلاتها- من التعبير عن آرائهن.. وكم تمنت أن تجد من يعطي أذناً مصغية لآمال وأفكار الطالبات..
وعدتها وصديقاتها أن أزور مدرستها مع (أم خالد) –زميلة وولي أمر لطالبة بذات المدرسة- ونتفق مع الإدارة على أنشطة صحفية..  هو وعد –للأسف- لم أفِ به لسفري من القاهرة وعودتي لبلدتي..
بين الحين والحين أتصل بوالدها لأطمئن على جويرية وأشقائها..
عرفت منذ أكثر من عام أنه قد تم خطبتها.. تعجب البعض.. لم أندهش وقلت لهم رأيي يومها.
وهذا الرأي كررته منذ حوالي شهر عندما سألتني طالبات عن رأيي في الزواج المبكر.. وبين مؤيده ومعارضة قلت إن الأمر لا يجب تعميمه فهو متروك للفروق الفردية..
ولم أجد مثالاً خير من (جويرية) التي يعرفونها جيداً من طول ما قصصت لهم عنها وزميلاتها باعتبارهن قدوة.. قلت للسائلة رأيي القديم بأن (جويرية) ومن على شاكلتها تصلح –بعون الله- زوجة الآن وسابقاً ولاحقاً لأن الله امتن عليها بعقلية تتيح لها "فتح بيت" دون أن تجد مشقة في ذلك.
 ****************************
كانت آخر مرة أتكلم فيها عن (جويرية) أمس –الثلاثاء 6/3/2012- أثناء تدريبي لطلاب المدارس المختلفة على فنون الصحافة المختلفة في إطار برنامج تثقيفي لتنمية مواهب الطلاب..
لأول مرة في مثل تلك التدريبات أصطحب معي المجلات المدرسية التي قمت بتنفيذها ومنها مجلة (براعم أزهرية) التي تزين غلافها صور تلك البراعم ومنها (جويرية) ..
قلبت العدد صفحة صفحة .. وحكيت عن أبطاله.. حكيت عن جويرية وعلاقتها بأصدقائها ورجاحة عقلها رغم سنها الصغيرة آنذاك..

سبحان الله.. هل كانت رسالة من رب العالمين أن أتحدث عنها في الوقت الذي كانت توارى فيه التراب !!!
في نفس الوقت تقريباً كانت مراسم دفن (جويرية) التي توفاها الله قبل ساعات بينما تستعد للذهاب إلى درس.. مرت عليها زميلاتها قبل الموعد بدقائق .. وعندما توجهوا لايقاظها.. لم تستيقظ هذه المرة .. واكتفت برسم ابتسامة رضا لتبقى في أذهان وأفئدة كل من عرفها..
منذ ساعات اتصل بي من يعلمني الخبر.. كنت أسمع وأسترجع "إنا لله وإنا إليه راجعون" ولكن دون أن أعي حقيقة ما حدث..
اتصلت من الفور بالأب المكلوم (الشيخ أحمد) لأجد العبرات تخنقني ... وأجدني لم أضع اعتبار أنني المعزي الذي يجب أن يدعو صاحب المصيبة للصبر والثبات.. وانقلبت الآية لأجد الأب -ثبته الله وأهله أجمعين- يدعوني للثبات والصبر والاحتساب قائلاً: لا تعزيني؛ فهي ابنتك أيضاً ألهمنا الله الصبر (جزاه الله خيراً وأدام حباً في الله بيننا.. وجزى الله من جعلها الله سبباً في تلك المعرفة)
مر -ولا يزال-  شريط ذكريات ربما تكون قليلة بحساب الوقت .. لكنها ثرية بحساب ما تحمله من صور كم تمنيت أن يكون منها نسخ عديدة في كل مدرسة وبيت.. وكم تعجبت الطالبات اللاتي درستهن في القاهرة والصعيد من دعوتي المتكررة لاتخاذها - و "عصابتها" كما كنت أناديهم- نموذجاً لما يجب أن تكون عليه بنت الإسلام.
 هل أنكر أنني تعلمت منهن -حرفياً- أكثر بكثير مما علمته لهن.. أذكر جيداً وقفة واثقة في طابور الصباح في تنافس شريف لإخراج أفضل ما لديهن، مواهب منحها الله لهن، ورعتها أيدٍ أمينة من الأهل الذين أدركوا ما لديهم من نعمة شكروا الله عليها، فزادهم من جميل تلك النعم.

بعد أيام تحين الامتحانات.. وطبقاً للوائح سيكتب أمام اسمها "تخلفت" .. كم هي مسكينة تلك اللوائح التي لا يمكنها إدراك أن تلك الطالبة تحديداً لم تتخلف .. بل نحسبها "سبقت" إلى حيث الخير كل الخير بإذن الله تعالى وبرحمته ..ويبقى دورنا أن نسأله الرحمة لها..وأن يلحقنا بها على خير





***********************************

قدر الله وماشاء فعل.. كتبت عن (جويرية) في مدونتي خلال 2009 
.. وكنت أنوي الكتابة عنها مرة أخرى يوم زفافها .. ولكن مشيئة الله حكمت ألا يتم زفافها في دنيانا الفانية، وأن يدخر الله لها كل الخير في دار الخلود بإذنه تعالى..
رحمها الله بما علمتنا من دروس كانت فيها الأستاذة لمعلميها















03‏/02‏/2012

حنانيك يا فبراير

لشهر فبراير كما لغيره ذكريات جميلة على المستوى الشخصي والعام؛ وهل أجمل من يوم التنحي المشهود الذي كان فيه صوت عمر سليمان الأجش أجمل من فيروز وأم كلثوم

ولكن يوم واحد منه مر هذا العام بأحداث وذكريات حدثت في مثله في العام الماضي وقبله بسنوات


ليلة 2/2 تم استغلال الرياضة وتعصب متعصبيها أسوأ استغلال لتكون مطية لارتكاب أبشع جريمة كانت دماء المصريين فيها هي الأرخص مقابل الالتصاق بكرسي ما أو الحفاظ على مصلحة هنا أو هناك





 ليت أحداً يخبرني عن حال هذا الأب وهذه الأم عند مشاهدة أية مباراة طوال حياتهما
كيف سيتذكر كل منهما فقيده الذي ذهب مشجعاً فعاد مشيَعاً



أنس.. تشجيعه الكرة ربما كان من باب أنها "لعبة" تسعد بها طفولته التي يغادر أعتابها.. لكنه كان "لعنة" أودت بعمره القصير


*************************
وهذه الليلة هي ذكرى مرور عام على إشارة البدء لمجزرة بشعة ضد الشعب الأعزل الذي كانت تهمته الوحيدة هي تعطشه للحرية..


فقد كانت ذات الليلة تحمل الخطاب الثاني للمخلوع الذي استعطف فيه الشعب ليكون توطئة لمذبحة موقعة الجمل 




********************************************
وهذه الليلة هي الذكري الثلاثون لأبشع مجزرة يرتكبها حاكم ضد شعبه الأعزل
ففي 1982 شهدت تلك الليلة تحركات استعداداً لمذبحة حماة بسوريا  التي راح ضحيتها 40 ألف نفس، غير المفقودين
قرأت كثيراً عنها واستبشعتها..

 يمكن قراءة "بعض" من تفاصيلها هنا

أو من هذا الرابط 


29‏/11‏/2011

وقف الخلق


وقف الخلق يبنون بلدهم الجديدة 

وقف الخلق يرسمون لوحة جديدة لتلك الشخصية المحيرة.. شخصية المصري؛

الشخصية التي لا تجد على لسانها أقرب من عبارة: "مليش في السياسة" وفي نفس الوقت تقف تحت الأمطار للتصويت 
خرج المصريون للانتخاب بصورة أذهلت العالم الذي كان ينتظر بركاً من الدماء، ولكنه فوجىء بشلالات الحب للوطن

مهما كان غرض أو تفكير الناخب إلا أن الأهم أنه خرج

وقف الخلق... ينتخبون




ووقف العالم احتراماً وتبجيلاً لمثل تلك الروح التي تؤكد كل يوم أن المصريين متخصصون في تخييب الظنون السلبية بهم؛ فالشعب همجي، والشعب متخلف، والشعب يحتاج لوصاية، ووو .. كلها اتهامات لم يرد عليها أحد بالكلام بل كان الفعل وكانت الطوابير غير المسبوقة.. وكان الهدوء في الأداء الانتخابي.. وكانت الشفافية كأجمل ما تكون..
والأهم.. كان المصري بروحه وشخصيته العبقرية ،والمعدن الذي يبدو في الأوقات التي تحتاج إلى مخلصين.

قبل إعلان النتائج ظهرت النتيجة "من الكنترول" لتؤكد نجاح مصر.. باكتشاف المعدن الأصيل لابن مصر الذي مهما بعد عنها فإنه عائد لا محالة، ومهما اعتراه من علل فإنه لابد عائد إلى رشده وإلى حضن أمه الكبرى .. مصر
((مثل هذه العبارات كنت دوما أتحاشى كتابتها لأنني لست من هواة الطنطنة بالوطنية، لكن اليوم المشهد يختلف، ولكل مقام مقال))



من أعماقي أصرخ: أنا فخور لأني مصري

26‏/11‏/2011

متى نهاجر؟




متى نهاجر؟


كل عام أنتم بخير

عام هجري حزم أمتعته راحلاً بلا عودة، وآخر يهل علينا نأمل من الله أن يكون حاملاً معه الخير كل الخير.


منذ فتحت عينيّ على الدنيا وأنا أتابع ذات السيناريو يتكرر في مثل هذه الأيام: القنوات تتنافس على عرض الأفلام التي تنتهي بنشيد "طلع البدر علينا" الذي تشير كلماته إلى أنه أنشد عند عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك بعد تسع سنوات من الهجرة ..

ولا يختلف الحال كثيراً عن خطبة –أو خطب- الجمعة التي لا تفتأ تعيد وتزيد قصة الحمامة والعنكبوت والتي يرى العلماء أن روايتها سندها ضعيف وعلتها ظاهرة.


اختزلنا دروس الهجرة في أفلام وخطب مكررة لسنوات طوال.

(طرفة حقيقية:

اعتاد أحد الأصدقاء أن يصلي لدى شيخ جليل في أرمنت لمجرد أن خطبته قصيرة.. وذات يوم تقابلنا بعد الصلاة، فسألته لماذا تأخرت؟ رد قائلاً: إن الشيخ فلان حكالنا أفلام الهجرة كلها في الخطبة)


للأسف هذا هو الواقع: فيلم وحكاوي.. وبس.


ولكن السؤال: متى نهاجر؟


هاجر صلى الله عليه وسلم وصحبه بأرواحهم قبل أبدانهم؛ فقد تركوا الغالي والنفيس، وهجروا البيوت والأوطان فراراً بدينهم وحتى يتمكنوا من نشر كلمة الله وجعلها العليا.


متى نهاجر مثل تلك هجرة؟ لماذا لا تهاجر أرواحنا وتترك ضيق الحياة المادية لتسبح في رحاب الصفاء الروحي. لا أقصد بالطبع أن ينعزل الواحد منا ويتقوقع بدعوى السعي وراء الروحانيات. ما أقصده أن يكون القرب من الله هو محركنا في كل شئون حياتنا؛ في العلم والتعلم، في العمل، في الاجتماعيات، وبالمجمل في شتى مناحي الحياة.


متى نهاجر إلى الله؟ وهي هجرة لن ترهقنا كما هجرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وصحبه.. هجرة زادنا فيها اليقين بالله، وخارطتنا يرسمها كتاب الله وسنة نبيه، وصحبتنا في تلك الهجرة هي صحبة الأخيار الذين يرضى عنهم الله.


متى نهاجر فنهجر؟ نهجر كل ما لا يقره ديننا وشرعنا وأعرافنا.

نهجر صراعات دنيوية وضيعة لنيل منصب هنا أو قروش هناك.

نهجر شهوات صارت تتحكم في سلوكيات وتصرفات الكثيرين الذين صاروا عبيداً لنزواتهم ورغباتهم.

نهجر كل ما يضيع واحدة من أهم نعم الله علينا: نعمة الوقت؛ فإن عرفنا كيف نستغله في الخير فأنعم به، وإلا فلنعيد ترتيب أوراقنا لنستعد للإجابة عن السؤال المنتظر: وقتك..فيم أضعته؟

نهجر أنانية جعلت من دنيانا غابة يأكل كبارها الصغار، ولا يجد فيها المحتاج من يمد يداً علماً بأن هذه اليد لا تمتد مناً وإنما تمتد بحق معلوم.

نهجر مصالح ضيقة نسعى لتحقيقها حتى وإن كان المقابل سلامة وطن كرمه الله في غير موضع.


متى نهاجر من جهلنا، ونسعى لتعلم العلم الذي يفيد، في كل سن وكل حال؟

للأسف فإن غالبيتنا –وما أبرئ نفسي- يعانون من الجهل بأمور لا يصح الجهل بها من مسائل شرعية، ودنيوية. وباتت أمة اقرأ لا تقرأ، ونظرة صغيرة لمستويات طلابنا ندرك حجم الكارثة.


لماذا لا نهاجر ألف هجرة وهجرة تسمو بنا لنستحق أن نكون من حملة الرسالة التي تحمل رسولنا وصحبه الكثير مما لا نطيق في سبيل وصولها إلينا؟


ليت هجرتنا لا تطول


((كانت الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة.. تلك التي أدعو الله مراراً أن تكون لي بها عيشة وميتة .. آمين))


وأخيراً..

رسم لنا العام الماضي خلاصة أحداثه الجسام التي كان البشر مجرد أداة فيها ولم تكن لتحدث سوى بأمر الله تعالى، في صورة بديعة هي قدرة الله في أجمل صورها:



18‏/11‏/2011

من وحي أعياد الطفولة... أعشقهم وأكره أيامهم



أعشقهم وأكره أيامهم



هي فئات كأن الله سبحانه وتعالى خلقها لتعيش في قلوبنا قبل أن تعيش في بيوتنا..

ولكننا بذكاء الدبة التي قتلت صاحبها نجحنا –ولو بحسن نية- أن نطعنهم طعنات نجلاء تدميهم ونحن نعتقد أننا بذلك نبين مدى حبنا لهم؛ فجعلنا لكل منها يوماً من باب الوفاء لهم والتذكير بهم، ولكن في حالات كثيرة ينقلب هذا اليوم لعكس ما أريد منه.


(ليست رؤية تشاؤمية بقدر ما هي دعوة لضبط إيقاع تعبيرنا عن مشاعرنا)



(1)

يعرف القاصي والداني مدى عشقي للأطفال، وكيف لا وهم من يجعلون للحياة رونقاً؛ ومعهم يسقط كل حاجز وتكلف، ولا يتبقى إلا البراءة التي تجد نفسك متلبساً بها وأنت تعرف أنك أبعد ما يكون عنها. لكنهم بكل أريحية يمنحونك تلك الفرصة النادرة.

في الشهر الجاري –نوفمبر- تطل احتفالات أعياد الطفولة. أذكر منذ طفولتي –من زمان يعني- احتفالات التليفزيون ذات الطابع الإلحاحي، وموضوع الإنشاء الذي لا يتغير عن عيد الطفولة وأفراحها، ويليه موضوع الرسم عن ذات اليوم.

ولا مانع من حفلة مدرسية بعد أن يكون برنامج الإذاعة مكتظاً بالمواد ذات الصلة.

لله الحمد بدأت تخف تلك النغمة بعض الشيء في السنوات الأخيرة.

تأملت هذه الاحتفالات –حتى بعد تخفيضها- وعلى الجانب الآخر نظرت إلى أطفال آخرين لهم الحق كل الحق في الاحتفال لكن ظروفهم جعلت احتفالاتهم من نوع آخر.

في احتفالاتنا نشعل صواريخ، وفي احتفالاتهم تشتعل فيهم وبهم الصواريخ..

في احتفالاتنا نطيرِّ بالونات، بينما لا ترضى احتفالاتهم إلا بطيران أجسادهم الرقيقة جراء قصف غادر هنا أو هناك..

احتفالاتنا نطفيء فيها الأنوار والشمع ابتهاجاً، واحتفالاتهم تطفأ فيها بهجة الحياة القصيرة..

حتى وقت قريب كان هذا الوجه المظلم للطفولة قاصراً على أطفال فلسطين الذين لا يتغير يقيني بأنه "حالة استثنائية أن تكون طفلاً فلسطينياً" ..

http://ahmadalshatir.blogspot.com/2009/12/27-2008_27.html


ولكن شهدت الفترة الماضية دخول منافسين لا يجمعهم دم القرابة.. ولكن تجمعهم رائحة الدم الزكية التي تفوح من أجسادهم الطاهرة.

كان الطفل الليبي والسوري واليمني والبحريني –الذي لا يبرر اختلاف المذهب قتله أو ترويعه في أحسن الأحوال- أطفال أصبحوا يميزون على صغر سنهم أنواع القاذفات التي تحيل نهارهم ليلاً..

وفي الصومال طفل لا تقوى عضلات وجهه على مجرد رسم ابتسامة سخرية على المفارقة التي تجعل العالم يحتفل بأطفاله بينما لا يجد هذا الطفل وملايين غيره الحق في شربة ماء.

فيا كل من يجد ماء وجه يقيم به احتفالات الطفولة ليتك تتذكر هؤلاء الأطفال بين قتيل وجريح ومشرد ولاجئ... وجائع.



(2)

ومادام الحديث عن الأطفال فلا مناص من الحديث عن الأم.. العشق الأكبر

كثيراً ما حاولت أن أكتب عن أمي بشكل خاص والأم بشكل عام ولكنني –أقسم بالله- أجد نفسي عاجزاً عن كتابة جملة مفيدة.. وكيف لكلمات العالم أن توفيها حقها.. فاغفروا لي تقصيراً لا ذنب لي فيه بل ذنب الأم أنها أعجزت الأقلام.

في سنتي الأولى طفلاً في (مدرسة السادات) جاءت إدارة المدرسة لتوزيع حلوى على الأطفال –نحن- وما أن أفصحوا عن السبب حتى سمعت صرخة ثم صرخات ثم بكاء لم أشهده في عمري الصغير آنذاك.. كانت (هدى) –أتذكر اسمها ولا أعرف أين ذهبت لأنها لم تداوم أكثر من ذلك العام- وبقدر فرحتنا بقطعة الحلوى بقدر رعبنا من هذا الجو التراجيدي. وعرفنا السبب فقد كانت المناسبة هي .. يوم الأم، وكانت أم (هدى) في رحاب الله.

رغم صغر سني إلا أنني لم أجد مبرراً للفرحة الكبيرة التي أجدها في كل العالم في هذا اليوم.. التليفزيون ذو القناتين، والإذاعة التي لا تكف عن ترديد أغنيتي فايزة وشادية.

بمرور الأيام عرفت كم هي قاسية تلك الأغاني والاحتفالات على من لها ظروف (هدى).. متع الله أمهاتنا بالعافية، ورحم من توفاه الله منهن.

وعلى الجانب الآخر لم أستطع تصور وقع تلك المهرجانات على أم ألقاها أبناؤها في دار للمسنين بلا رحمة ولا إحسان..

الملاحظ مؤخراً أن هذا اليوم أصبح موسماً تجارياً لا يجاريه إلا الفالانتاين –وله وقفة- وبالطبع لن يضع التاجر ذو الحسابات الرقمية تلك الاعتبارات في حسبانه..



(3)

اليتيم هو تلك الوسيلة التي منحنا الله إياها لتنظيف قلوبنا من أدرانها، والواحة التي نستظل فيها من وعثاء سفرنا في الدنيا بكل ما فيها من ماديات جامدة.

رحم الله أستاذنا الذي لا أجد له وصفاً يليق به سوى: "الإنسان" عبد الوهاب مطاوع

نشر ذات مرة رسالة لامرأة ضاقت بها الدنيا بذنوبها وتراكمت عليها الأحزان وسألته النصح.. فكان جوابه أن تذهب إلى دار للأيتام فحسب.

وما هي إلا أسابيع حتى ردت برسالة شاكرة الوصفة السحرية التي أعادت إلى قلبها السكينة والطمأنينة، وإلى حياتها الأمان المفتقد.

مع الأيتام تحس بمشاعر تسمو بك كثيراً، فضلاً عن الثواب الذي وعد به رب العالمين ورسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكالمعتاد جعلنا لليتيم عيداً –الجمعة الأولى من شهر أبريل- وهي سلاح ذو حدين؛ فمن ناحية تذكر الناس بوجود تلك الفئة التي ابتلاها الله بالحرمان من الأبوين. ولكن في المقابل فإن لها آثاراً سلبية تتمثل في الإحساس البشع الذي يجد فيه اليتيم نفسه في اليوم التالي. ورأيت بعيني دوراً للأيتام لا تتسع للهدايا في يوم اليتيم حتى أن الأطفال تدوسها بأقدامها. وفي اليوم التالي يصحو وقد لا يجد من يسلم عليه بتحية الصباح.

ناهيك عن غياب الثقافة لدينا في التعامل مع تلك الفئة فيتصرف البعض بطريقة تكون الشفقة عنوانها مما يأتي بآثار عكسية تماماً.


(4)

من منا يكره الحب؟ عن نفسي أرى أن حل مشاكل كل البشرية يمكن في أن يحب كل منا ما يحب لغيره، وأن يتحاب الجميع في الله .

ومن منا لا يكره المتحابين –بشرع الله- فهم من يجعلون في الحياة أملاً.. وكم من زوجين مر على بداية رحلتهما سوياً سنوات طوال إلا أن ما زرعه الله بينهما يجعلهما كأنهما مخطوبين منذ ساعات.

واستورد رجال الأعمال هذه المرة عيداً للحب تيمناً وإحياءاً لذكرى القديس فالانتينو..

فامتلأت الأسواق بالسلعة الأكثر رواجاً الـ "دباديب" التي أصبحت الرمز المفضل بعد أن أصبحت الزهور موضة قديمة. وصارت القاسم المشترك مع هدايا أخرى بحسب انتفاخ جيب مشتريها.

من ناحية هي موضة تجارية بحتة.. كما أنها تغريبية وهو ما يشعر به كل من يرى تلك الاحتفالية في المدن الكبرى حيث يحس المرء أن الكون كله يسير في فلك القديس فالانتينو.

وبالطبع هذا اليوم بكل استفزازه يمر بصورة مأساوية على الكثيرين ممن قست عليهم الدنيا.

***************


ليتنا لا نضيع حسن نيتنا في الاهتمام بمن حولنا بأن نحول احتفاءنا بهم إلى جروح لا تندمل..

ليتنا نقتصد في التعبير عن مشاعرنا.










07‏/10‏/2011

والهوى سوري (3) تورتة الدم في عيد البنت والأم


من مفارقات القدر أن الصبية السورية (رهف) -الطفلة سابقاً- وأمها (نسيبة) تـأبيان إلا أن يكون يوم ميلاد كل منهما مرتبط بذكرى تمس السوريين والمصريين بل والعرب جميعاً رغم أنه لا يفضل بينهما سوى أسبوع

ولدت الأم في يوم السادس من أكتوبر/تشرين وتحتفل بميلادها في يوم حرب الكرامة التي كشف –ولا يزال- ربيع الثورات العربي الكثير من ورق التوت الذي يغطي من ينسبون أفضالاً لأنفسهم. ففي مصر كشفت الثورة أن الضربة الجوية التي أنهكت الملحنين والمطربين تمجيداً للمخلوع، ليس له فيها إلا مجرد دور من أدوار، وليس لها في الحرب إلا دور من أدوار بعد أن تصورنا جميعاً أنه كان يحارب الصهاينة بمفرده.

وفي سوريا تكشف الثورة الأبية يوماً بعد يوم عن تواطؤ من كان يتباهى بالمشاركة في الحرب حتى أن هناك من يثبت أن الجولان لم تكن لتسقط إلا بفعل خيانة، وليس أدل على ذلك من أن ابنه الهمام لم يوجه رصاصة صوب الجولان بل وجه أرتاله نحو حوران وشقيقاتها.

وولدت البنت في يوم وفاة جمال عبد الناصر.. أختلف معه واتفق .. لكن ما لا يختلف عليه اثنان أنه كان يحب بلاده، ويأمل في وحدة لا يفرقها عدو ولا حاقد.. كان زعيم الممانعة الحقيقية التي احترمها حتى أعداؤه لا الممانعة الكوميدية التي نسمع عنها في الحقبة الأسدية.. يوم وفاته كان اليوم الأسوأ على مصر التي وضعها على خط عودة الكرامة، وسوريا التي حمل أهلها سيارته ابتهاجاً به.. يموت لتبقى ذكراه في القلوب بعد عشرات السنين.

اعتدت لسنوات أن أبعث برسالة معايدة، أو اتصال، أو حتى تحية هنا أو هناك على الإنترنت..

لكنني لم أفعلها هذا العام ... كان الخجل يملؤني؛ كيف يطاوعني قلبي أن أقول لأي منهما: كل سنة وانتي "سالمة" -بحسب اللهجة السورية- وأنا أعرف أنهما محاصرتين في المنزل لا تستطيعان الخروج ولو هذه إلى عملها، وتلك إلى جامعتها في سنتها الأولى..

كيف أقول "سالمة" وقد فقدت هذه الكلمة بفضل نظام الشبيحة وشبيحة النظام أي معنىً لها ؛ فكيف لطفل جعلوا أجراس مدرسته دانات مدافع أن يبقي على مفهوم السلامة. وكيف لمن اصبح اللون الأحمر للدماء الزكية روتيناً يومياً له أن يقتنع أن هناك سلامة من الأساس..

"سالمة" لا معنى لها بالنسبة لكلتيهما؛ فدموع الأم لم تجف لاعتقال شقيقها منذ أيام أثناء عودته من المستشفى لطلب ممرضة لزوجته التي تعاني من آلام المخاض..

والابنة تكفكف دموعها لتستطيع مداعبة المولودة التي لم يكتب لها رؤية والدها حتى الآن . .أعاده الله وجميع المعتقلين سالمين بإذن الله .. وأراهم الله يوماً في الطغاة وجعلهم عبرة لمن يعتبر

منذ كانت طفلة في السابعة -ولا أزال أراها كذلك- وعدت صاحبة عيد الميلاد بأن برنامج زيارة الأسرة لمصر سيكون حافلاً .. وكثيراً ما كان الحديث يدور حول الزيارة التي لم تتم طوال سنوات، وكان حديث المتلهفة على زيارة بلد لطالما سمعت وشاهدت عنه.

وعقب الثورة زاد شوقها لزيارة ميدان التحرير .. الرمز المصري الأول منذ انطلاق صوت الشعب.. كانت زاهدة في التفكير بأي شأن يمس السياسة من بعيد أو قريب. وكنت أمازحها بقولي إنها تخشى أن أكون من الذين "خطهم حلو" كتبة التقارير الأمنية. لم تكن تدري أن الأيام حبلى بالكثير.

بعد خروج المارد السوري من القمقم اتصلت للاطمئنان على امتحاناتها لأن حرم الجامعة كان المكان الوحيد بمدينتها الذي توجد به تغطية لشبكات الموبايل. وجدت إنسانة جديدة؛ لا الصوت هو الصوت، ولا النبرة هي النبرة، ولا الكلام هو الكلام

وجدتها تقول من بين دموعها: "لم أكن أعرف أنني أحب سوريا بهذه الدرجة، كثيراً ما تمنيت أن أخرج منها ربما بلا عودة.. ولكن اليوم لا" وأردفتها بعبارة سمعتها من كل السوريين الذين أعرفهم "دمي مو أغلى من دمهن"

لم أستطع الرد بحرف واحد؛ فأمامي يولد مشروع عزة وحرية عجل بمخاضه وحشية وغباء وظلم نظام لم يتبق من عمره إلا أقل القليل. لم أتعجب حين وجدت صوتها يرتفع بدعاء على الطغاة غير مبالية بمن حولها أو بمن يستلقي في الموبايل في ظل نظام يحكم بالحديد والنار.

في مرة تالية سألتني ببراءة: "برأيك الأمر بيطول؟" قلتلها إنني أكبر المتفائلين لأنني كنت صاحب عقيدة أن النظام التونسي هو آخر من قد يتعرض لثورة أو حتى انقلاب، وخيب الله اعتقادي. ثم قلت كما قالوا إن "مصر ليست تونس" ليجعلني الله أعيش لأرى الفرعون وزبانيته خلف القضبان.. قلت لها إنه رغم كل الظروف وتواطؤ المتواطئين ودعم الداعمين تبقى يد الله فوق أيديهم..

رغم التفاؤل لم أستطع أن أتصل معايداً بأعياد ميلاد يحتفل معهم بشار وأعوانه بتقديم (تورتة دم) وتحل الرصاصات محل الشموع. وهي تختلف عن كعكة الدم التي يصنعها اليهود طبقاً لموروثاتهم الفاسدة التي كشف عنها اختفاء قس مسيحي في دمشق عام 1887. كعكة بشار لا تقبل بأقل من دماء آلاف الشهداء. ولكن يبقى الدم السوري الطاهر بحراً هادراً يغرقهم جميعاً بإذن الله.

أدعو الله أن أعايد قريباً لكل السوريين وليس لأسرة واحدة بمناسبة ميلاد عهد جديد بإذن الله، وميلاد حرية طال انتظارها.










21‏/06‏/2011

والهوى سوري (2) حكيم عيون حضرتك؟!!


حكيم عيون.. حضرتك؟!!


كم هو جميل تراثنا العربي الذي جعل صفة (حكيم) مرادفاً لمهنة طبيب..

ولكن بعد الخطاب الثالث –والأخير بإذن الله على نهج السابقين- اتضح أن هناك فارق كبير بين حكيم العيون وطبيب العيون الذي يكاد يكون قد فقد بصره بعد أن فقد بصيرته.


• حكيم العيون الذي أدى قسم أبقراط مهمته الأولى أن يعالج البصر ويجليه..

أما طبيب العيون الذي أدى قسماً باطلاً من الأساس فضلاً عن حنثه فيه فكأن مهمته أن يعمي العيون عن كل جميل في بلاد هي للجمال عنواناً..

حكيم العيون يبذل قصارى جهده لإزالة أقذاء العين وأرمادها..

وطبيب العيون الذي اعتلى كرسي السلطان اغتصاباً لا يألو جهداً لتفاقم الأرماد والأقذاء في عيون وطن اشتدت أوجاعه لعشرات السنين..
أصاب تلك العين الغالية بثلة من الجراثيم التي توغلت في الجسم الطاهر...
جراثيم على شاكلته لا هم لها إلا امتصاص دم الوطن من خلال شبكات معقدة تجمعها مصالح لا تقل عفناً عن أصحابها.

حكيم العيون يعالج من الاستجماتيزم الذي تختلط فيه الصور وتتداخل..

وطبيبنا تختلط لديه الصور بشكل كبير؛ في البداية اختلطت الصور فصدق أنه بالفعل رئيساً وهو أول من يعلم أنه ربيب دستور ابن سفاح لم يجلب إلا العار كل العار..

ثم اختلطت الصور فصدق أن احداً يردد صادقاً "منحبك" وأسقط هذا الأحد على كل الشعب الصبور

واختلطت الصور أكثر ليصدق أنه قاهر بني صهيون المنتظر ويخرج بعباراته العنترية بينما تحلق الطائرات التي تحمل النجمة السداسية فوق رأسه.

وها هو يعتبر نفسه رئيساً لجراثيم ليعيش بذلك الاستجماتيزم في أسوأ حالاته.

• من أشهر الأمراض التي تقابل حكيم العيون قصر النظر..

طبيبنا لا يحتاج إلى من يخبره بقصر نظره حين تصور أن تعذيب الأطفال وهتك الأعراض وقتل العزل سيكون مجرد حلقة من سلسلة الصمت الرهيب ستمر مرور الكرام..

قصير النظر حين استخف بشعبه مطلقاً ضحكاته البلهاء المستفزة في حين لم تجف يديه بعد من دماء الشهداء الطاهرة الزكية.

وليس قصر نظر أكثر من إطلاقه العنان لأكشاك الدعارة الإعلامية لتقدم ما تنافس به كافة القنوات الكوميدية حتى بات من لا يعرف مجرد اسم سوريا مفنداً ومكذباً لما تبثه تلك الأبواق التي تنكر وجود الشمس في يوم مشمس!!
ولم يفوت على نفسه فرصة المشاركة في وصلات الكوميديا حين استدعى في خطابه أفلام الخيال العلمي لوصف أسلحة الثوار المتقدمة، وكذلك في الرقم الذي أعلنه كتقدير مبدئي للمطلوبين وهو رقم مؤهل للتضاعف..

• يلاحظ الكثيرون أن حكيم العيون يجري جراحات للاستغناء عن النظارة بينما يرتدي هو النظارة! ينصح الغير بما لا يفعله هو نفسه

لم يشذ طبيب العيون الذي أصبح رئيساً عن تلك الملاحظة؛ فهو من جعل الإصلاح مدخلاً لنسيان فضيحة تغيير الدستور، وطالما بشَّر بإصلاحات قادمة لكنها وبعد سنوات عجاف لم تصل بعد ولا حتى مقدماتها..

وهو من يدبج الخطب العصماء التي يجيد حفظها –فيما يبدو أنه مؤهله الوحيد كرئيس عربي- مهاجماً إسرائيل وأمريكا وقوى الغرب ووو.. وفي نفس الوقت يرسل الوسطاء من هنا وهناك للجلوس إلى من تهاجمهم خطبه الببغاوية!!

لطالما هاجم سكوت حكومة مبارك على العدوان الإسرائيلي على غزة مطالباً برد مصري..
فاته أن إسرائيل وفرت عليه حتى أن يذهب إليها فجاءته في عقر داره محتلة الأرض الغالية وكأنها تخرج لسانها قدر استطاعتها بينما تضع سدادات أذن لكي لا تسمع طنطنة الببغاء الذي لا يعي ما يقول..

يتهم ثورة الحرية في بلاده بأنها مؤامرة خارجية لم يستطع بعد ثلاثة أشهر أن يذكر ولو اسم جهة واحدة من أطراف المؤامرة.. وإن كان نجح فيما لم يأت به الأوائل بالجمع
بين من لا يجتمع معاً: الموساد والإخوان والسلفية وأمريكا و.. و...و... ليتفقوا على البلاد والعباد!!

ثوار سوريا الباحثين عن الحرية أطراف في مؤامرة خارجية سرية وفي الوقت ذاته يدنس أذناب إيران وحسن نصر الله شوارع بلاد هي الطهر بذاته.

• طبيبنا رغم كونه متخصص في أمراض العيون إلا أنه أصيب بالعمى..

وليت الأمر اقتصر على ذلك فحسب بل إن الأمر تطور فأصيب بالعمه –عمى البصيرة- وهو ما لا يحتاج إثباته سوى نظرة خاطفة على الوضع الراهن.

عمي بصره فلم ير اللافتة التي تشير أسهمها إلى الجولان، واتجه بزبانيته صوب حوران..

وعميت بصيرته فلم يتعظ من دروس سابقيه اللذين لا يختلفان عنه إجراماً في حق شعبيهما. قال إن سوريا ليست مصر ولا تونس من قبلها!! ولم يدرك بعمى بصيرته أن أحرار وحرائر وأطفالاً يهِبون من سباتهم حاملين أرواحهم على أكفهم فداءً للحرية أبداً لن ينجح الموت نفسه أن يثنيهم عن اللحاق بقطار ربيع الحرية.


05‏/06‏/2011

... والهوى سوري (1)



من ابن النيل لأبناء بردى


إذا بردى أنَّت لخطب مياهه..

تداعت بوادي النيل للنيل أدمع


بيت شعر أحفظه منذ الطفولة، في الوقت الذي ألقى الله في قلبي حباً لبلد لم أعرفه، ولم أقابل أحداً من أهله، بل كانت كل معلوماتي عنه قراءات في مجلات الأطفال.



كانت علاقة حب يفضح الشوق المحبوب مهما حاول مداراة حبه أو مواراته:

يترك ما في يده ليتابع بشغف برنامج عن مدينة هنا أو هناك في هذا البلد.

ولم يعد الأصدقاء والأهل يفاجأون إذا تسربت من كلامه لفظة سورية.




وحين قابل سوريين كان أول تعليق لهم على هذا الشغف ببلادهم: لابد أن في الأمر "سورية" وراء عشقك لسوريا..

خانهم تقديرهم على الأقل في مسألة الترتيب..



لسوريا عندي مكانة خاصة جعلت مني ذلك المتيم الذي لا يترك شاردة ولا واردة عن هذا البلد العريق.


وكما عشقت الوطن عشقت المواطنين بما لهم من سمات جلّت المحنة-المنحة الأخيرة العديد من تلك السمات لتظهر في أبهى صورها بعد أن حاول الطغاة قتل كل جميل في البلاد والعباد.



ما أجمله شعب يقف أعزلاً أمام آلة الموت والدمار بلا سلاح سوى "الله أكبر" تصدح بها القلوب قبل الحناجر..



لا تستطيع الحروف أبداً وصف المشاعر التي أحسست بها عند سماعي تسجيلاً أرسله أهلنا في سوريا لـ "معركة التكبيرات" ..



ولأن الأرواح جنود مجندة أقسم أنني أحسست أنني أقف فوق سطح منزل بتلك المدن الأبية أهتف بأعلى صوت مكبراً رب العزة داعياً أن يرينا آية من آياته فيمن لم يراع فيه إلاً ولا ذمة..



عرفت مدى عشقي لسوريا حين شعرت بذات الغصة التي أحسست بمرارتها لعدم تمكني من التواجد في ميدان التحرير بأتراحه وأفراحه، بدماء الغضب وزغاريد التنحي..



إحساس غريب أن يتمنى المرء بكل حماس أن يتمكن من الإسهام في تحرير أرض ما لا ينتمي إليها بمعايير جوازات السفر تماماً كما تمنى الإسهام في تحرير وطنه.



كيف لا أتمنى أن أكون بين طالبي الحرية من أحفاد العز بن عبد السلام الذي طالما استشهدت بمواقفه التي لا تخشى في الله لومة لائم متحسراً على "علماء" باعوا الدين بالدنيا..



كيف لا أتمنى أن أقف مكبراً فوق أحد البيوت الشامية التي سحرتني عمارتها حتى أنني فكرت مراراً في محاكاتها في بيتي رغم الصعوبات..



تلك البيوت التي تحملت لأجل الاستمتاع بها كمبانٍ ومعانٍ سذاجة بعض المسلسلات التي تدور في الشام القديمة.



كيف لي أن أتقاعس عن الهتاف بأعلى صوتي بلهجة لطالما شنفت أذني من فرط رقتها وفصاحتها في آن واحد. لهجة لا أحتاج معها –مثل بقية اللهجات- إلى مترجم لأنها ببساطة ليست حروفاً مرصوصة وإنما لغة قلوب لا دخل للسان ولا للأذن بها.



وكيف لا وقد أنّ أبناء بردى لخطوب، فلم لا يتداعى لهم أبناء النيل نصرة ولو بالدعاء..



وتمتد علاقة النيل وبردى حتى في الحال الذي وصلا إليه: نضب بردى، وتلوث النيل بالمخلفات من ناحية وبأيدٍ قذرة تعبث بمنابعه من ناحية .. وهكذا حال البلدين .. ولهما الله الذي ندعو أن يطهرهما من كل من دنسهما.








شهيد سوري في المسجد الحرام!!

(كنت شهيداً سورياً لمدة ساعة!!)


لم تغب سوريا عني أثناء أداء العمرة فكما دعوت لبلدي أن يحفظها الله، دعوت لسوريا أن يحقن الله دماء أهلها ويحفظها من كل سوء.


وخلال الرحلة كنت أستوقف بين الحين والحين من أعرف أنه سوري من اللهجة أو الحقيبة التي تحمل اسم شركة السياحة. وكان الحوار لا يستغرق نصف دقيقة: كيف الحال هناك؟ -إن شاء الله خير.. مستبشرين



في المسجد الحرام رن الهاتف.. سيدة سورية من أسرة صديقة .. أول ما جال بخاطري أنها عرفت أنني اؤدي العمرة وتبارك أو تطلب الدعاء بصلاح الحال..



وجدتها منهارة تبكي بحرقة لم أفسر معها الكثير من كلامها.. فهمت أنها عادت لتوها من تشييع شاب من الجيران استشهد بلا ذنب جناه إلا رغبته في تنسم الحرية..



فوجئت بصوت آخر لا أعرفه يحدثني: يا فلان.. أنا أم الشهيد..



اقشعر بدني حتى أنها قالت بعدها كلاماً لم اسمعه لأنني لم أستوعب بعد جلال الموقف بكل أبعاده: أنا في بيت الله الحرام، وأحدث أُم شهيد لا أعرفها عادت من توها من تشييع ابنها الذي خرج منذ ساعات وكله أمل في غد أفضل ربما لم يره لكنه أسهم في وجوده



أفقت من خواطري وطلبت منها إعادة ما قالت.. استحلفتني أن أؤدي عمرة عن ابنها الشهيد سائلة الله أن يتقبله في الشهداء


يالله

يالجلال الموقف.. أؤدي عمرة.. عن من؟ عن شهيد!!!

يالها من مفارقة



لم أكذب خبراً

من فوري شرعت في الإحرام وبدأت العمرة، وخلالها كنت أدعو لمن لا أعرف إلا اسمه. لكنني عرفت فيه الإيمان، والنخوة، والإباء، والعزة ..

وكيف لا فإن هذه الصفات إن لم يتسم بها من خرج حاملاً روحه على كفه أملاً في غد مشرق فمن ذا الذي يتسم بها؟!



دعوت أن يكون دمه لهيباً يفني الطغاة..



دعوت لأهله بالصبر، والمزيد من الثبات، واحتسابه عند من لا يغفل ولا ينام.


دعوت لوطنه بالسلامة وأن يحفظ الله بلاداً لطالما رفعت عالياً كلمة الله..



دعوت أن يذيق الله الطغاة من ذات الكأس، وأن يروا بأعينهم عاقبة ظلمهم بعد أن يذوقوه في الدنيا قبل أن يذيقهم الله إياه في يوم العدل..



دعوت الله أن يجعلهم عبرة لمن يعتبر بعد أن يرينا فيهم آية من آياته تماماً كما رأينا في مصر


وأخيراً دعوت الله أن يحسن ختامنا..

وهل مثل هذا ختام