09‏/05‏/2009

كلمني ..شكراً



"كلمنى.. شكراً" عبارة عرفناها من رسالة الموبايل الشهيرة. ولكن هاتين الكلمتين تعبران عن مطلب للجميع؛ فإذا طلبته من شخص ستجد أن هناك من يطلبه منك في دائرة لا نهاية لها.

أحباب الله : كلمني شكراً
نعم .. كلمني؛ فانا – الطفل – أحتاج كلماتك كما أحتاج أن تسمعني ولا تتجاهل أسئلتي. ألا تعرف أن مرحلة الطفولة –التي أعيشها- هي مرحلة الغرس. هاأنا ذا صفحة بيضاء مستعدة لتلقي ما يكتب فيها. وشتان الفارق بين اللوحة البديعة التي تنقشونها فيها عندما لا تبخلون –آباءً وأمهات ومعلمين – بوقت هو من حقي؛ وبين صفحة تمتليء بـ "شخابيط" من هنا وهناك نظراً لإهداركم حقي في أن أسمعكم وأن تسمعون مني.
في الحالة الأولى بالتأكيد ستتكون شخصيتي بسمات مميزة لأنكم استمعتم لطلبي البسيط: "كلمني..شكراً" فتكلمتم واستمعتم أيضاً لأسئلتي وملاحظاتي بلا ضجر أو ملل.
أما الصورة الأخرى فسأكون بها شخصية باهتة مضطربة تسير في طريق نهايته –للأسف- معروفة.

المراهقة: كلمني ..شكراً
يا كل كبير لماذا تصمم على تصوير المراهقة وكأنها جريمة لا تغتفر.
كلمة "مراهقة" –سيدي الكبير- ليست تهمة ولا هي شيء يعيب. بالعكس تماماً فهذه المرحلة هي الجسر الذي يربط بين الطفولة ببراءتها وبين مرحلة النضج بمسئولياتها.. هي المرحلة الانتقالية التي تتضح بها معالم الشخصية وتختلف فيها نظرتي إلى الحياة .. هي مرحلة المشاعر الصادقة التي لا تحتاج إلا إلى توجيه..
نعم .. هي أيضاً مرحلة الاندفاع والتمرد. ولكن هل حاولت أنت أن تحتوي هذا الاندفاع؟ هل أعطيتني أذناً تسمع مني آرائي دون سخرية أو لامبالاة؟؟ هل أعطيتني وقتاً تعرف فيه مشاعري وعواطفي وإلى أين تتجه؟؟
لا أريد منك توجيهات فحسب بل أريد أن تعرف ما يعتمل بداخلي. ألم يقل الفيلسوف القديم: "تكلم حتى أراك" وكان يقصد أن كلام الشخص يعبر عن مكنونات شخصيته.
ساعدني وتقبل أفكاري وآرائي حتى يمكنني أن أتقبل نصائحك وتوجيهاتك.
كلمني .. شكراً ولكن لا تكون أنت المحاضر وأنا المستمع فحسب وإلا فإن لدي من أدخل معهم في حوار متكامل، أخذ ورد وأعرف يقيناً أنهم لن يعجبونك ولكن.. قل لي أنت ما الحل إذا لم تقم أنت بهذا الدور؟!

فرسان الإرادة: كلمني .. شكراً
نحن تلك الفئة التي تطلقون علينا ظلماً صفة "معوقون" ومعنا الأيتام في الدور المخصصة لهم نصرخ معاً: كلمني.. شكراً فنحن نحتاج إلى من يتكلم معنا .. لا نحتاج تبرعاتك أو هداياك أو حتى مشاعر الشفقة التي تقتلنا في اليوم ألف مرة. لا نحتاج كل هذا بقدر ما نحتاج منك أن تتبادل معنا حواراً نتكلم فيه ونسمع حتى نحس أنه لم يفتنا الكثير ولا ينقصنا شيء مما لدى الآخرين؛

كلمني.. شكراً حتى أشعر أنك الأب والأم للأيتام.. أنك العين للكفيف والأذن للأصم حتى أسمع وأرى وأتحرك من خلالك.

خريف العمر: كلمني ..شكرا
سامحوني لأنني أطلب منكم المطلب الذي لم أستجب له عندما طلب مني مراراً في الماضي.
أنا الآن نزيل بدار لرعاية المسنين أمثالي.. كان أبنائي وأحفادي يلحون علي أن أجلس معهم لنتحاور وأسمعهم لكني لم أفعل وإن فعلت كنت أستحوذ على الحوار؛ أعطي أوامراً وأفرض آرائي عليهم وكانت الجلسة تنتهي دوماً بـ "خناقة".
اليوم أتذكر كل هذا وأندم أشد الندم لأنني اليوم أحتاج إلى من يؤنس وحدتي.. إلى من أحكي له عن جحود الأبناء الذين ألقوا بي هنا بلا رحمة . وكم بكيت عندما رأيت صورة ابن يحمل والده أثناء مناسك الحج. وبالطبع لا أحتاج إلى من يخبرني أنني سبب ما فعله أبنائي بي لأنني لم أستمع إلى مطلبهم العادل والذي أحتاجه أنا أشد الحاجة في أيامي الأخيرة: كلمني .. شكراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق